الكاتب عادل عصمت لـ"العين": نجيب محفوظ "حررني"
"العين" تحاور الكاتب والروائي عادل عصمت خلال توقيعه روايته الجديدة "صوت الغراب" التي صدرت بالتزامن مع معرض القاهرة للكتاب.
في جناح دار الكتب خان (سراي 4) بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، جلس الكاتب والروائي الخجول على مائدة التوقيعات يستقبل جمهوره ومحبي أدبه يوقّع لهم روايته الجديدة "صوت الغراب" التي صدرت بالتزامن مع معرض الكتاب. عادل عصمت الذي لم يفارق مدينته الأثيرة طنطا، بلد السيد البدوي، ورفض بإلحاح الانتقال إلى القاهرة، كاتب هادئ الطباع للدرجة التي يُتصور معها أنه يكاد لا يتحدث، تلميذ "نجيب" ومخلص لتقاليد المدرسة المحفوظية الأصيلة، يعتد بإبداعه في غير غرور ولا تفاخر، يدع أعماله تتحدث عنه وتصل إلى قارئها دون ثرثرة أو ضجيج، رواياته وكتبه التي أبدعها على مدار ما يقرب من ثلاثة عقود نجحت وبامتياز في أن تجعل أهل العاصمة يلتفتون إلى صوت أصيل ومتفرد في المشهد السردي المعاصر..
"العين" انفردت بحديث خاص مع الفائزة مؤخرا بجائزة نجيب محفوظ للإبداع الروائي التي تمنحها الجامعة الأمريكية بالقاهرة عن روايته "حكايات يوسف تادرس"، فكان هذا الحوار..
* "طنطا" هي الفضاء الأقرب والأحب لعادل عصمت.. ماذا وراء قصدية أن يكون ما كتبت سابقا (وربما فيما هو قادم) يدور في هذه المدينة لا تخرج عنها؟
- كتابتي في المجمل عن "ناس طنطا"، وليس عن طنطا ذاتها، ما كتبته عن طنطا المدينة، التاريخ، موجود في كتابي "ناس وأماكن" الذي يحتوي على مقالات ضافية عن المقاهي التي اندثرت، وعن دور السينما وتقاليد الحياة في السبعينيات في مدينة صغيرة من مدن مصر، وكما أكدت لك فإن التعبير الأدق كما تفضلت في سؤالك، أنها كتابة تدور في طنطا وليس عن طنطا.
أما عن "القصدية"، بالمعنى الحرفي، فلم يكن الأمر مقصودا بالكامل ولا عفويا بالكامل. القصص المصرية كانت وقت بدايتي للكتابة تدور في أغلب الأوقات في فضاء مكاني مجرد؛ إما المدينة أو القرية، والمدينة تعني القاهرة وبنسبة أصغر كثيرًا الإسكندرية.
والقرية كانت فضاء عاما للروايات التي تدور في "الريف"، ورحم الله عبد الحكيم قاسم الذي بدأ إحدى قصصة القصيرة بتسمية بلدته "المندرة" مركز السنطة غربية.
الأماكن لها روح مثل البشر، وعلينا أن ننتبه إلى أن خصوصية المكان وتقاليد أهله سوف يقربنا من الخبرة الأساسية في حياتنا، وبالتالي لن نكتب عن أفكار محفوظة ولا كليشيهات معلبة. في هذه الحالة تكون عملية الكتابة مثل "البحث"، وأظن أن الكتابة التي تتحرى التجارب هي الكتابة التي تساعدنا على كشف معنى حياتنا وما نعيشه فيها.
* ثمة علاقة خاصة جدًا تربطك بنجيب محفوظ.. حدثنا عنه كما خبرته في مرآة روحك وتكوينك الفكري؟
- نجيب محفوظ مثلُ المناخ الذي عشته وتشبعت به، هل يمكنك أن تحدد في أي لحظة من حياتك نقلت لكنة أبيك في الكلام أو طريقته في الجلوس، هل يمكنك أن تعرف متى تشبعت بحكايات والدتك وأصبحت جزءًا من ثقافتك العامة؟.. بالطبع لا يمكن.
نجيب محفوظ مناخٌ كامل وعام عشتُ فيه، يسألونني كثيرًا عن أهم الروايات التي تعجبك وما الرواية التي تأثرت بها، سأقول لك سرًا، في كل فترة من فترات حياتي لي رواية مفضلة. في فترة قديمة كنت مفتونا بالمناخ الساحر لـ "السمان والخريف"، وفي فترة أخرى عشقت "المرايا"، وفي الفترة الحالية أحب جدا "قشتمر" وأداوم على قراءتها، هذا بعيدا عن قيمة الروايات الثلاث الكبرى "الثلاثية" و"أولاد حارتنا" و"الحرافيش"، التي لا يجري عليهما هذا التبدل في مشاعري، فإحساسي دائما أنها من درر الأدب الإنساني عموما وبالذات الحرافيش.
في فترة من فترات حياتي، لم أحب قصصه القصيرة وكنت أفضل عليها قصص يوسف إدريس، لكنني الآن أقدّر جدا قصصه القصيرة، بل يدهشني أنها أكثر إحكاما وفيها نفس الثقل الشعوري والعاطفي لرواياته. قرأت قصته "صباح الورد" واندهشت جدا، فهذا عمل كبير مع أي كاتب كان يمكن أن يتحول إلى رواية من 500 صفحة، لكن الأستاذ قطّر الحياة، وترك لنا عملا لا تتعدى صفحاته الـ 50 صفحة، ومع ذلك فهي بمقام رواية كبيرة. اقرأ قصصه القصيرة بتمعن، وستجد من كتبها أستاذا حقيقيا؛ وفي كل قصة هناك شيء خبيء سوف يظهر في النهاية.
آخر مجموعاته قبل الجائزة نشر عام 89 بعنوان "الفجر الكاذب"، فيها قصص مكتوبة بتقنية عالية وفيها صور قلمية هذا رجل عظيم أخلص لفنه ولمبادئه فمنحنا حياة ثرية وترك لنا تراثا لن نفرغ من دراسته.
* لست من كتاب المركز ودائما ما يكون في نفوس من هم خارجه "شيء ما". بدأب وصبر فعلت الصعب بل الأصعب، جعلت أهل المركز هم الذين يلتفتون ويسعون إليك ويقرأون أعمالك. كيف ترصد هذه الثنائية بعينيك؟
- بالنسبة للمركز ومن يعيشون خارج المركز، بصراحة شديدة، لم يكن همّي أن أكتب في الصحافة ولا أن أكون متواجدا في الندوات كان همي أن أكتب فقط وأحب كتابتي على طريقة الأستاذ (يقصد نجيب محفوظ)، مع التأكيد دائما على فكرة تجنب المشابهة او الانزلاق في فخ تقمص ومعايشة الأستاذ بالكلية، لا يمكن تقليد إبداع نجيب محفوظ ولا يمكن نسخ نظامه في الحياة، أستاذك هو من يحررك لا من يأسرك، وأستاذي حررني. تعلمت أن أستمتع بعملي فقط.
طبعا لم يتم تداول اسمي كثيرا؛ لأنني خارج هذا المركز لكن بمرور الوقت اعتدت على ذلك، وعرفت أن الناس في القاهرة مشغولون بأنفسهم، وهذا من حقهم، وطوال عمري أجيب عن السؤال: لو أحببت أن تعيش هناك فاذهب وجرب، لكني لم أحب ولم أذهب، فقط أحببت عملي أكثر.
* ألم تشعر في بعض الأوقات بشيء ما من مرارة أو قليل من حزن لعدم الالتفات إلى مجهودك عبر سنوات طويلة، قبل الحصول على جوائز (حصل على عدد من الجوائز آخرها جائزة نجيب محفوظ)؟
- طبعا، أنا بشر، حزنت في بعض الأحيان، لكن لم يصل الأمر إلى مرارة وكنت أعالجها بطريقة الأستاذ بسؤال نفسي ماذا تريد؟ لو أردت فاذهب وعش هناك (في العاصمة)، وكنت دائما أجد الاجابة "لا"، لا أحب أن أعيش هناك، حياتي هنا أحسن، إنسان يعيش ما يعيشه الناس في يومهم. الآن أشعر بالامتنان لهذا الاختيار.
ولا أنكر أيضا أن حظي كان جيدا، فعندما يقترب الحزن من المرارة يحدث أن أحصل على جائزة الدولة التشجيعية في سنة عظيمة من سنوات مصر، تسلمتها في يونيو من العام 2011.
* بالتأكيد حصولك على جائزة باسم الأستاذ يعني لك -أنت بالأخص- الكثير جدا؟
- طبعا، ولا أخفي عليك، وأنا الآن وصلت إلى 57 عاما من عمري، كان أملي أن أفوز بها، لأنها تمثل لي قيمة خاصة جدا. أنظر كل صباح إلى صورة الأستاذ تطل من بين الخطوط الفضية المنقوشة في ميدالية، وأشكر الله على هذه النعمة. وأما أكثر ما أسعدني فهو كلام الناس عن هذه الدورة من دورات جائزة نجيب محفوظ "لا خلاف عليها"، هذا كلام يداعب الغرور والأنانية الكامنة في روح كثير من الكتاب، أن تكون هذه الدورة من دورات جائزة نجيب محفوظ "لا خلاف عليها"، و"أن الرواية تستحق"، فهذا كلام طيب جدا.. يرضيني ويسعدني بالتأكيد.
aXA6IDE4LjExNy43OC44NyA= جزيرة ام اند امز