مولد "الهدى" باليمن.. طقوس متجذرة من مساجد عدن إلى طرائق حضرموت
كلما مررتَ بحارات وأزقة مدينة عدن القديمة، تتناهى إلى مسامعك ترنيمات الموالد النبوية العطرة، التي تصدح بها مآذن جوامع كريتر ومساجدها العتيقة.
لا يكاد يمر أسبوع إلا ويُحيي أهالي مدينة عدن الموالد النبوية، في تقليد ديني قديم، لم تتركه مساجد المدينة -الصوفية منها وغير الصوفية- ولم تتقيد فيه بيوم واحد في العام، بل على مدار كل أسابيع السنة.
ولليلة الخميس في عدن خاصية فريدة بالنسبة لمساجد المدينة القديمة، التي تتسابق عشية يوم الجمعة، إلى عقد الموالد الأسبوعية، وإحيائها بالذكر وسرد السيرة النبوية، والثناء على آل البيت.
وإذا كانت المساجد الصوفية بالمدينة قد فازت بالسبق في تجذير هذا التقليد المستمر منذ مئات السنين، إلا أنه سرعان ما انتشر في كافة مناطق عدن، تأكيدا وتشريفا على المكانة النبوية، واحتفاءً بهادي البشرية.
الاحتفال الكبير
هذه الموالد التي تقيمها مساجد عدن أسبوعيا، تضفي روحانيات عميقة على المدينة الزاخرة بالأسواق والمتسوقين الذين يرتادونها ليس فقط من مديرياتها بل وحتى من المحافظات الأخرى.
حتى باتت أصوات الموالد والترحيب بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم، بحسب ما يتخيله المحتفلون بالمساجد ويجسدونه في احتفالاتهم، وكأنه ترحيب بكل زائر للمدينة.
وهي وإن كانت احتفالات أسبوعية إلا أنها لا تلغي اعتناء الأهالي ورواد المساجد بالاحتفال بالمولد النبوي في موعده السنوي كل عام.
وهو احتفال ضخم كبير، يقام في يوم مولد النبي، ويجتمع فيه الناس بالمساجد، ويتداعى الأطفال إليه فرحين بما يتم توزيعه من حلويات وتمور وعطور على المصلين والمشاركين في الاحتفالات؛ ما يجعل ذكراها تكبر في أذهانهم وتستمر عقودا.
اليمنيون.. أنصار النبي
إحياء المولد النبوي غير مقتصر على عدن، بل يشمل كل أنحاء البلاد، كيف لا، واليمن عرفت ببلاد المدد وأصل الأنصار الذي آووا النبي محمد وناصروه واحتضنوا دعوته التي أنارت الدنيا.
وسنويا، تشهد مدن محافظة حضرموت احتفالات بالمولد النبوي، هي الأضخم على الإطلاق في كل البلاد، خاصة الموالد النبوية التي تحتضنها مدينة تريم التاريخية، حيث الأربطة الدينية، ومهد الطرائق الصوفية العريقة.
كما تنتشر الموالد في مختلف أنحاء المحافظات اليمنية، ويتم توظيفها لذكر مآثر الصحابة الكرام المنتسبين إلى اليمن، وكيف خدموا الدعوة الإسلامية وناصروا الرسول الكريم، ونشروا الإسلام في أصقاع العالم.
موالد وروحانيات
وفي هذه الاحتفالات تُقرأ "الموالد"، وهي مؤلفات تحكي ولادة النبي محمد الشريفة، وسيرة حياته، وذكر آل بيته الأطهار، ومسيرة دعوته، وهي فقرات لا بد منها في كل احتفال نبوي.
وتزيد هذه التقاليد الروحانية في حضرموت تحديدا على خروج المصلين من المساجد بعد صلاة العصر في مواكب مهيبة إلى الشوارع منشدين قصائد المدح وسط شعارات ولافتات تحمل عبارات نبويّة معبّرة.
كما تُعقد عقب صلاة المغرب وحتى بعد صلاة العشاء الندوات الدينية، والمحاضرات الوعظية، التي تستذكر معاني ودلالات حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عاناه من صعاب لإيصال تعاليم الدين إلى الناس.