تُرى هل سيتمكن الزرفي من تشكيل الحكومة ونيل ثقة البرلمان والوفاء بوعوده؟
لا يزال رئيس الوزراء المُكلف عدنان الزرفي يدور في كواليس السياسة العراقية وأنفاقها، باحثاً تارة ومستنجداً تارة أخرى، بين الرفض والاستسلام للقوى المهيمنة، فهو في وضع لا يُحسد عليه، أي أنه بين نارين: رفض الأحزاب والمليشيات والكتل الكبيرة، ورفض الحراك الشعبي لأنه لا ينسجم مع رؤيتها في: عدم استقلاليته، واشتراكه في العملية السياسية، وحمله للجنسية الأمريكية. ماذا يفعل الرجل؟ هل يستسلم لكل هذه الضغوطات ويتنازل عن آرائه ويصبح رئيساً للوزراء ينفذ ما يُملى عليه، أم يقف ضد جميع هذه السدود ويقدم استقالته؟ رغم دربه العسير، هناك من يتصور أن حظوظه تتصاعد في هذا الخضّم المحلي والإقليمي، الأمريكيون يهددون بضرب المزيد من المليشيات المسلحة والقوى الخارجة على القانون، وفي تصفية قاسم سليماني وعبدالمهدي المهندس عِظةٌ ودرس. في هذه الأجواء المتوترة، يتحرك عدنان الزُرفي، وهو يدرك أنه أمام جبروت الدولة العميقة التي يعرفها جيداً وعمل في صفوفها، أخطبوط يتمدد في كل مكان، ويستولي على كل شيء، دولة موازية، لها آلياتها المحكمة، ولها ظلالها التي تخنق أنفاس العراقيين، وتقود دفة السفينة دون أن يهمها غرقها. هل يقود عدنان الزرفي سفينة نوح، ويريد أن ينقذ ما يُمكن إنقاذه من العملية السياسية؟ كثيرون، أفراد وقوى، وكتل وأحزاب وعشائر، لا يخشون الدولة الرسمية، فهي تحولت إلى مجرد هيكل لا أكثر، إنهم الأذرع الخفيّة للدولة العميقة. لم يلتزم كثيرون بالأوامر الرسمية للدولة بشأن وباء الكورونا، وأصروا على الخروج في زياراتهم الدينية، في تحدٍ صارخ وعلني، وضربوا بكل قوانينها عرض الحائط.
في هذه الأجواء المتوترة، يتحرك عدنان الزرفي، وهو يدرك أنه أمام جبروت الدولة العميقة التي يعرفها جيدا وعمل في صفوفها، أخطبوط يتمدد في كل مكان، ويستولي على كل شيء، دولة موازية، لها آلياتها المحكمة، ولها ظلالها التي تخنق أنفاس العراقيين، وتقود دفة السفينة دون أن يهمها غرقها
يسعى عدنان الزرفي إلى إحياء العملية السياسية المتعثرة، بتشكيل فريق مفاوض يتكون من شخصيات نجفية ونواب سابقين، للتباحث مع القوى السياسية الرافضة له، تمهيداً لإقناع الأغلبية البرلمانية لتكون داعمة في تصويت منح الثقة، إلا أن المرشح المُكّلف بتشكيل الحكومة العراقية، لم يفصح عن كابينته الوزارية ولا عن برنامجه الحكومي، باستثناء خطابه الوحيد أمام وسائل الإعلام، وقراراته في إجراء انتخابات مبكرة، حماية المتظاهرين السلميين والكشف عن القتلة، وحصر سلاح المليشيات بيد الدولة. هذه عناوين كبيرة أثارت الأحزاب والكتل وجعلتهم يتحصنون في خنادق من المصالح والأجندات، وفتحت نيرانها عليه من كل مكان، وخاصة الكتل الكبيرة المتمركزة في بؤر القرار والسلطة، والمتمثلة بكتلة "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، وتحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، و"سائرون" بزعامة مقتدى الصدر، و"النصر" بزعامة حيدر العبادي، و"عطاء" بزعامة فالح الفياض، وحزب "الفضيلة" بزعامة محمد اليعقوبي، وعصائب "أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، وتيار "الحكمة"، المتذبذب بزعامة عمار الحكيم، ولكل منها مصالحها الحزبية والمالية والإقليمية المعروفة والتي لا يمكن التنازل عنها، والتي تمتلك المليشيات والسلاح والتنظيمات والميزانيات والولاءات لإيران.
هكذا يواجه المُكّلف بتشكيل الحكومة ثلاث مشاكل عويصة: انهيار أسعار النفط، انتشار فيروس كورونا، والتهديد الأمريكي بضرب الفصائل الموالية لإيران. يُضاف إلى ذلك، رفض الحرس الثوري الإيراني لأي مرشح لا يعلن عن موالاته. وهي تعتبره رجل أمريكا في المنطقة، رغم تطميناته المُضادة، وفتحه قنوات تواصل وتفاهم معهم وشرح وجهة نظره. وروجت مؤخراً عن احتمال حدوث انقلاب عسكري على النظام الحالي بدهم أمريكي.
أما مصالح القوى السنيّة والأكراد، فهي الأخرى تصّب في مصالح الكتل الشيعية الكبيرة، باستثناء تحالف سائرون وائتلاف النصر اللذين أبديا بعض المرونة إزاء المرشح الجديد، فالقوى الرافضة له لا يمكن أن تقترح اسم مرشح آخر من خلال اجتماعاتها السرية والعلنية، قبل انقضاء الفترة الدستورية لهذا التكليف.
تُرى هل سيتمكن الزُرفي من تشكيل الحكومة ونيل ثقة البرلمان، والوفاء بوعوده، أم أنه سيلاقي نفس المصير الذي واجهه محمد توفيق علاوي في تشكيل حكومته قبل أن ترى النور؟
من المحتمل أن يواجه عدنان الزُرفي المصير ذاته وللأسباب ذاتها، فالبرلمان يبقى بؤرة المصالح والصراعات، وخلافاته قائمة على المحاصصة الطائفية، وليس على الديمقراطية، هذا الداء الذي ينخر العملية السياسية منذ بداياتها. وفي ظل الصراع الأمريكي الإيراني حول الرئاسات الثلاثة، يبقى السؤال المطروح هو: إلى متى تبقى العملية السياسية عاجزة عن تحقيق آمال الشعب العراقي وإنقاذه؟ في الوقت الذي ما تزال الدولة العميقة تمارس سلطاتها في الخفاء والعلن. وتهديد عدنان الزُرفي يأتي عبر التهديد بالكشف عن عمليات الفساد التي تعني، لو قُدمت إلى القضاء، نهاية العملية السياسية برمتها. لذا تحاول الدولة العميقة بكل ما لديها من قوة وآليات وسلاح ومال ورجال وولاءات، أن ترهب عدنان الزُرفي ليتخلى عن مهمته وقراراته بعد أن أصابها الذعر من تصريحاته بإنهاء المليشيات المسلحة، ومحاسبة الفاسدين، وحل البرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة تحت إشراف الأمم المتحدة، وهي خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها.
وفي الواقع، لا طريق أمام العملية السياسية سوى إنقاذ نفسها بتشكيل حكومة وطنية تستجيب للمطالب الشعبية، لأنه مطلب أمريكي وسنّي وكردي وجزء شيعي، فهل يستطيع عدنان الزُرفي أن يقف في وجه الدولة العميقة وإنهاء الدور الإيراني؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة