لم يعرف أحد حتى الساعة كيف ظهر الفيروس، وبالقدر نفسه لا أحد يجزم بمساراته المستقبلية
حتى كتابة هذه السطور لا يزال فيروس كورونا المتوحش يضرب ذات اليمين وذات اليسار، والبشرية أمامه قلقة خائفة مضطربة، قلقة في النهار وآرقة في الليل.
لا يملك صاحب القلم إلا الهوامش، يتشاركها مع القراء الأعزاء، في وسط هذه المحنة، والجميع يرفع أكف الضراعة إلى السماء، علها ترحم الإنسانية الشقية المعذبة في حاضرات أيامها.
لم يعرف أحد حتى الساعة كيف ظهر الفيروس، وبالقدر نفسه لا أحد يجزم بمساراته ومساقاته المستقبلية، وبين هذا وذاك تتبدى بشرية غير واثقة في بعضها البعض، ولهذا راجت نظرية المؤامرة، على الأقل بين القطبين الكبيرين المهيمنين على العالم الولايات المتحدة الأمريكية القطب القائم، والصين القطب القادم من غير أدنى شك.
الأمريكيون والصينيون مدعوون اليوم، وبجانبهم الروس والأوروبيون، إلى مد الأيادي نحو بعضهم البعض، فهم في سباق هائل مع المجهول، وهنا كما قالت العرب: الوقت كالسيف ذاك الذي لن يقطع عرقا واحدا ويوفر الآخر، أو يصيب قومية ويخلف الأخرى.
الصينيون فتحوا الباب واسعا أمام الشكوك التي تذهب في طريق كون الفيروس أمريكي الصناعة والتحضير، وأنه أداة من أدوات المواجهة القطبية.
فيما الجانب الأمريكي قد سمى الفيروس بالصيني كما فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما أثار غضب الصين المكتوم، لا سيما أن الكثيرين يعتبرون أنها تاخرت في إطلاع العالم على أبعاد الأزمة.
وعلى الرغم من هذا الهامش التآمري، فإن الساعات الأخيرة أرغمت الأمريكيين والصينيين على فتح أبواب التعاون سواء كانت رسمية، أو من وراء الكواليس، بهدف معرفة طبيعة الفيروس، لا سيما أن مصدره لا يزال مجهولا، وبدون الوصول إلى المصدر فلن يتمكن العلماء من قراءة جينوم الفيروس المتحكم فيه، والحديث هنا للبروفيسور الروسي ميخائيل كوستينوف العالم المتخصص في علم المناعة من معهد ميتشنيكوف للقاحات والأمصال، التابع للأكاديمية الروسية للعلوم الطبية.
الأمريكيون والصينيون مدعوون اليوم، وبجانبهم الروس والأوروبيون، إلى مد الأيادي نحو بعضهم البعض، فهم في سباق هائل مع المجهول، وهنا كما قالت العرب: الوقت كالسيف ذاك الذي لن يقطع عرقا واحدا ويوفر الآخر، أو يصيب قومية ويخلف الأخرى، فكل ساعة تمر يصب كورونا جام غضبه على رأس البشرية من أدناها إلى أقصاها.
سؤال فلسفي يطرح ذاته بذاته على مائدة النقاش الأممي: هل كورونا نتاج طبيعي في زمن العولمة تلك التي أسقطت الحدود وأزالت السدود بين البشر حول العالم؟
يمكن أن يكون الجواب بنعم، فحركة الانتقال وفرت لهذا الكائن الغريب فرصة جوهرية في القفز بصورة مخيفة لم يكن يتخيلها أصحاب روايات الخيال العلمي، ولهذا بادرت الدول إلى إغلاق حدودها، وعادت جزرا منعزلة مرة جديدة.
من الهوامش المدعاة للتأمل أن كورونا وإن باعد بين الناس جسمانيا، فقد قرب بينهم نفسيا وإنسانيا إن جاز التعبير.
اكتشف الجميع فلسفة البنيان المرصوص، وعاد إلى الأذهان طرح الأخوة الإنسانية، وعما قليل سيتنازل الجميع عن حالة التنافس "المركنتيلية"، أي الجشع التجاري، والتكالب على الأرباح، من أجل استنقاذ البشرية من بين براثن هذا الغريب المفترس الذي لا بد من فك شفرة حمضه النووي.
غريب وعجيب شأن الإنسانية على عتبات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، فقد تهيأت طويلا لحرب عالمية ثالثة تستخدم فيها الترسانات النووية، وربما القنابل الهيدروجينية الأشد فتكا بالأرض ومن عليها، إلا أن خطر الحرب جاء من طرف خفي، من كائن ما بعد مهجري، وكأن المشهد مأساة إغريقية، تضع العالم أمام استحقاقات أسئلة جوهرية من عينة: "بما أفادت موازنات الدفاع حول العالم، وقد تجاوزت عام 2020 عدة تريليونات من الدولارات، فعلى سبيل المثال بلغت موازنة أمريكا فقط أكثر من 750 مليار دولار".
هنا يتساءل أحدهم: "ماذا لو قررت الإنسانية أن تتخلى عن الجانب السيئ في النفس البشرية وتكرس جهودها للبحث العلمي الإيجابي وليس السلبي، ذاك الذي يوفر الألم والدموع، ويعزز من مناعة الكائن البشري في مواجهة المجهول".
جانب خطير بدوره على هامش كورونا قد تفتحت عليه الأعين، ويحمل إرهاصات مستقبلية مرعبة، إنه ذاك الموصول بالإرهاب البيولوجي، ولنا أن نتصور قيام جماعة إرهابية ما بالتوصل إلى تركيبة فيروسية جينية ونشرها حول العالم، بالضبط كما شاهد العالم في الفيلم السينمائي الشهير "إنفرنو" أو الجحيم.
هنا يمكن أن يضحى العالم رهينة بالمطلق في أيدي الأشرار، ما يجعل المجتمع الدولي مطالب بعد انتهاء هذه الأزمة بأمر الله، بإعادة التفكير في الحرب على الإرهاب، وإخراجها من سياقها التقليدي، ووضع السيناريوهات المختلفة على صعوبتها وجنونها لملاقاة الهول الذي يمكن أن يقرع أبواب الإنسانية في الغد أو بعد الغد.
من هوامش دفتر كورونا إعادة تأكيد الثنائية التي تحكم الطبيعة، فلكل شيء وجهان، إيجابي وسلبي، كما أن حنايا الأضلع تحوي الخير والشر معا.
الثنائية هنا هي ثنائية الطبيعة، تلك التي شكت إلى حد التذمر من الإنسان، وتذمرت إلى حد الاعتراض الغاضب، على أنها في أيام الهدوء الإنساني النسبي، وبعد أن فرضت الحكومات حظر التجوال، وتوقفت أدخنة المصانع، بدأ كأن الكرة الأرضية تتنفس من جديد، ما ظهر في صور الأقمار الصناعية للكرة الأرضية.
هل جاء كورونا لينقذ الكرة الأرضية بأكثر مما يتسبب كورونا في الضحايا؟
بتاريخ 8 مارس الماضي كان أحد علماء البيئة في جامعة ستانفورد الأمريكية الشهيرة بولاية كاليفورنيا الأمريكية يعلن عبر حسابات إحصائية أن وقف عجلة النشاط الإنساني خلال الأسابيع الماضية قلل من نسب التلوث العالمي.
العالم الأمريكي مارشال بورك أشار إلى أنه خلال شهرين من الحد من التلوث تم إنقاذ 4000 طفل دون سن الخامسة، و73 ألف بالغ فوق سن السبعين في الصين فقط.
هل في الأمر قراءة وجرس تحذير من الطبيعة للإنسانية أن تراجع أوراقها الإيكولوجية؟ لا بد أن يكون ذلك كذلك.
كورونا هوامشه عريضة وتحتاج قراءات مطولة، إنها فرصة لإعادة قراءة إنسانيتنا المهترئة، إعادة اكتشاف الذات، ضمن إطار الأخوة الإنسانية..
من كان يتخيل أن وثيقة تم توقيعها في الإمارات قبل سنة تضحى هي الدستور الذي يحتاجه العالم، ربما بأكثر من حاجته إلى بقية الاتفاقيات الدولية والدساتير الدولية.
هذا وقت الأخوة، وقت تعيد فيه الإنسانية التواد والتراحم، الصفح والمغفرة، وعلى الرغم من ألم اللحظة وقسوتها، فإن المستقبل سوف يحمل الأمل لجميع الخليقة.. قريبا جدا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة