الكبار حين يقررون تكون قراراتهم كبيرة مثلهم، أما الصغار فيبقون صغاراً، مهما حاول الإعلام المأزوم أن ينفخ في صورتهم.
لا أعتقد أن الإعلام الذي يزيف الحقائق وينشر الإشاعات ويسعى إلى شق الصفوف، قد أصيب بنكسة أكبر من نكسة المقاطعة التي فرضت على مموليه، إلا عندما أعلنت كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي، عن «استراتيجية العزم» في جدة.
هذه الاستراتيجية التي تهدف إلى خلق نموذج استثنائي للتكامل والتعاون بين البلدين، يضم محاور رئيسية ثلاثة؛ هي المحور الاقتصادي، والمحور البشري والمعرفي، والمحور السياسي والأمني والعسكري.
«استراتيجة العزم» ليست رداً على أحد، وهي ليست تحالفاً ضد أحد، لكنها نموذج تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية للدول التي تريد أن تنشغل بتنمية نفسها، وتبني كياناً اقتصادياً وتنموياً وسياسياً ودفاعياً لها، بدلاً من الانشغال برعاية الإرهاب والإرهابيين.
لقد ظل هذا الإعلام المأزوم يعمل على مدى عام كامل، منذ أن أعلنت الدول الأربع المقاطعة موقفها الحازم من الجميع، على محاولة دق إسفين بين دولة الإمارات والسعودية على وجه الخصوص، سعيا لإضعاف التحالف الذي شكلت الدولتان ركنيه الأساسيين. وعمل هذا الإعلام على محاولة إحداث شرخ بين البلدين الشقيقين، وإيهام من تبقى من قرائه ومستمعيه ومشاهديه أن هذا الشرخ موجود فعلاً وعميق بين البلدين، حتى أفاق هؤلاء المخدوعون عشية يوم الأربعاء الماضي على الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام، فأدركوا أن هذا الشرخ ليس أكثر من وهم صنعته عقولهم المريضة وأمنياتهم البعيدة عن الواقع، وأن العلاقة بين البلدين الشقيقين تقوم على موروث تاريخي عميق، ولها روابط متجذرة بين قادة وشعبي البلدين، وأن هذا الموروث التاريخي وهذه الروابط المتجذرة تدفعهما إلى المضي نحو آفاق أوسع.
من يتأمل تفاصيل الإعلان عن «استراتيجية العزم» يدرك أن البلدين لا يلتفتان إلى ثرثرة الصغار وشوشرتهم، وأن موضوع مقاطعة ممولي هذا الإعلام الموتور ورعاته أصبح خلف ظهور دول المقاطعة وخارج دائرة اهتمامهم، وأن ثمة تكاملاً بين البلدين القائدين للتحالف يتشكل بصورة غير مسبوقة، وأن هذا التكامل يتجاوز شكل التعاون المتعارف عليه بين الدول، وأنه قد وصل إلى مرحلة متقدمة جداً، لا تقتصر على مجال واحد، وإنما تشمل مجالات كثيرة هي عصب الحياة عند الشعوب، وهي مصدر القوة الأول للدول التي تملك رؤية واضحة، وتعمل على الانتقال من الحاضر إلى المستقبل بقوة دفع كبيرة، قوامها التخطيط السليم للأجيال القادمة، والاستفادة من منجزات الحاضر للانطلاق نحو المستقبل، ومنح الشباب فرصاً أكثر لتحقيق طموحاتهم وبناء أوطانهم.
الذين يتابعون هذا الإعلام الموتور يعرفون أنه قد أصيب خلال الفترة الأخيرة بلوثة جعلته يخرج عن طوره، وإن كان هذا ليس بجديد عليه، إذ إن تاريخه في اللوثات معروف ومسجل. أليس هو من أفسح المجال للإرهابيين، وفتح لهم قنواته كي يبثوا رسائلهم من خلالها؟ أليس هو من سخّر برامجه ونشرات أخباره لترويج عملياتهم، وصنع منهم أبطالاً، واخترع لهم قصصاً وهمية عندما لم يجد قصصاً حقيقية تصنع منهم أبطالاً؟ أليس هو من زوّر الحقائق وقدم صوراً مشوهة كي يخدم أهداف من يدعمه ويموله ويخطط له ويوجهه؟ هذا الإعلام نشط خلال الفترة الأخيرة، مع قرب اكتمال عام على المقاطعة، وجنّد أبواقه للعزف على وتر إيهام جمهوره أن ثمة شرخاً بين قطبي التحالف؛ الإمارات والسعودية، في حين كان القطبان يقومان منذ 12 شهراً، بإعداد «استراتيجية العزم» التي عمل عليها 350 مسؤولاً من البلدين، من 139 جهة حكومية وسيادية وعسكرية، وعبر محاور رئيسية ثلاثة شكلت قاعدة الاستراتيجية.
60 شهراً وضعتها قيادة البلدين لتنفيذ مشاريع الاستراتيجية التي تهدف إلى بناء نموذج تكاملي استثنائي، يدعم مسيرة التعاون الخليجي المشترك، ويساهم في حماية المكتسبات والمصالح، وخلق فرص جديدة أمام الشعبين الشقيقين. 5 سنوات لا نعرف كيف سيتعامل معها الإعلام الموتور الذي فقد صوابه، ولم يعد يرى سوى الأوهام التي يحاول تسويقها بين العاملين فيه، ولدى جمهوره الذي يتضاءل يوماً بعد يوم. فقد حاول هذا الإعلام على مدى عام كامل أن يروج فكرة أن مقاطعة أسياده قد فشلت، وأن ما جنوه من المقاطعة خلال هذه العام أضعاف أضعاف ما خسروه.
ونحن بدورنا نتساءل: إذا كان هذا صحيحاً، فلماذا إذن هذا التباكي والنواح؟ ولماذا الجري من بلد إلى بلد، وقطع الكرة الأرضية من جهاتها الأربع لإنهاء هذه المقاطعة، وإعادة العلاقات مع الدول المقاطِعة؟! كان أجدر بهذا الإعلام، الذي يغالط نفسه، أن يروّج فكرة استمرار المقاطعة طالما أن نتائجها إيجابية ومثمرة، والمضي قدماً في المشاريع الجبارة التي ستحول داعميه إلى بلد صناعي وزراعي واقتصادي ضخم، ينافس الدول العظمى، ويستغني عن جيرانه الذين قاطعوه وتركوا قضية مقاطعته خلف ظهورهم.
«استراتيجة العزم» ليست رداً على أحد، وهي ليست تحالفاً ضد أحد، لكنها نموذج تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية للدول التي تريد أن تنشغل بتنمية نفسها، وتبني كياناً اقتصادياً وتنموياً وسياسياً ودفاعياً لها، بدلاً من الانشغال برعاية الإرهاب والإرهابيين، وتغذية الصراعات بين الدول والشعوب، وهدم الأوطان، ونشر الفوضى في كل مكان. تماما مثلما دعمت الدولتان قبل 37 عاماً نموذجاً وحدوياً خليجياً، هو مجلس التعاون لدول الخليج العربية، واقترح العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، عليه رحمة الله، عام 2011 خلال انعقاد القمة الخليجية الثانية والثلاثين تحويله إلى اتحاد خليجي، والتنسيق فيما بين دوله سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ولكن كان هناك من رفض الفكرة فاحتُرِم رأيه، وكان هناك من عمل على تقويض المجلس من الداخل فتمت مقاطعته.
الكبار حين يقررون تكون قراراتهم كبيرة مثلهم، أما الصغار فيبقون صغاراً، مهما حاول الإعلام المأزوم أن ينفخ في صورتهم.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة