حرب جديدة تشتعل بين إسرائيل وحركة حماس، قد تغير التوازنات السياسية الحالية في المنطقة والعالم، وشبهها المراقبون من حيث تأثيرها على الجانب الإسرائيلي، بأحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول في أمريكا.
فوجئت إسرائيل بهجمات حماس داخل الأراضي الإسرائيلية، ما وضعها في حالة هستيرية صادمة، بسبب عدد الضحايا والأسرى من المدنيين والعسكريين، ما يعكس خللا في النظام الأمني الإسرائيلي، فلم تنجح وسائل الاستخبارات المتطورة، أو الجدار العازل في صد الهجوم.
مارست حماس عملية خداع خلال الشهور الماضية، لتعطي إسرائيل الشعور بالطمأنينة، بأن الحركة غير قادرة على دخول حرب جديدة، وتركز على تحسين الحياة المعيشية لسكان قطاع غزة، خصوصاً لو علمنا أن السلطات الإسرائيلية سمحت لنحو 19 ألف عامل فلسطيني، للدخول يومياً إلى أراضيها للعمل.
اختيار حماس لتوقيت الهجمات يتزامن مع توجهات المنطقة نحو السلام، فهناك مفاوضات بين السعودية وإسرائيل عبر الولايات المتحدة، فإدارة بايدن تعول على تحقيق مكاسب تاريخيّة خلال الانتخابات الرئاسية للعام 2024.
ما سيربط مسارات السلام بين الرياض وتل أبيب بنتائج الصراع، فالسعودية تريد تقدماً ملموساً في القضية الفلسطينية، ما يعطي الدوافع لحماس وداعميها في إيران لمحاولة تعطيل المفاوضات، لأنها تهدد مصالح محور المقاومة (إيران وأدواتها)، لتغلق نافذة السلام ويعود مشهد التصعيد بمجرد أن يبدأ الرد الإسرائيلي الانتقامي، لتظل القضية الفلسطينية رهينة لأجنداتهم السياسية.
سيكون لهجمات حماس تداعيات على الإسرائيليين والفلسطينيين، فالمغامرات يدفع ثمنها الأبرياء، حيث ستكون ردة الفعل الإسرائيلية عنيفة، ومختلفة عن الحروب السابقة، وبرغم عدم وضوح سيناريوهات ردة الفعل، فإسرائيل لن تكتفي هذه المرة بإضعاف حماس فحسب، لإبقاء حالة الانقسام الفلسطيني، كما جرت العادة.
وأمام إسرائيل خياران رئيسان، وهما عمليات القصف الجوية المستمرة، وإجبار حماس على إيقاف إطلاق الصواريخ والتفاوض حول الرهائن، أو عملية برية واسعة، تدرك تل أبيب تحدياتها، لو علمنا أن إسرائيل انسحبت من غزة عام 2005 في عهد حكومة أرييل شارون.
وسيعول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو على نجاح العمليات الجوية في التأثير على حماس، واستخدام الوساطات قبل اتخاذ خيار الغزو البري، وقد تعمل حماس على استغلال الضربات الجوية الإسرائيلية في توسيع نطاق التصعيد إلى الضفة الغربية والقدس، ودخول حزب الله على خط الصراع، ما سيجر لبنان إلى الحرب.
سيواجه نتنياهو ضغوطات هائلة نتيجة للأحداث، وقد يلام نتيجة لتحالفه مع اليمين المتطرف الذي مارس استفزازات غير مقبولة طوال الأشهر الماضية، وسياساته الداخلية التي ولدت احتقانا شعبيا منذ تسلمه السلطة، ما سيجبره على تشكيل حكومة طوارئ مؤقتة تضم أحزاب المعارضة، قد توحد الوضع الداخلي في البلاد ولو بشكل مرحلي.
وأيضاً هو حال رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، فالحرب الجارية لن تخرجه من المسؤولية، فالتصريحات السياسية التي اعتدنا علينا لم تعد مجدية، ولم يعد يملك مقاربات تستطيع التأثير على الواقع الفلسطيني، ما سيجعل الرهان الإقليمي والدولي عليه يتضاءل، طالما لم يتم تجديد قيادات السلطة، لتعزيز حضورها في المشهد السياسي.
هناك مناخ في الشارع العربي يصطف مع طرف على حساب طرف، وكأن استهداف المدنيين مقبول! فما الفائدة من فرحة مؤقتة يتبعها حزن؟ فمن يتحمل العمليات العسكرية الإسرائيلية، ولا يصله الغذاء والوقود والدواء، هم الشعب الفلسطيني البريء، بينما قادة حماس الذين يسيطرون على قطاع غزة منذ عام 2007، مختبئين في الأنفاق أو الفنادق في الخارج.
أضاع الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني العديد من فرص السلام، لإيقاف دوامة الحروب والخروج بحل عادل، يضمن قيام دولة فلسطينية، تعيش إلى جانب إسرائيل التي تشعر بدورها بالتفوق دوماً، برغم متغيرات الأحداث والتوازنات الجيوسياسية، بينما كانت حالة الانشقاق بين فتح وحماس بمثابة المرض المزمن.
والحرب تختلف هذه المرة في طبيعتها، فلن تنفع الوساطات التقليدية كما حدث في حروب سابقة، ولا بد أن تركز الجهود على فتح مقاربات جديدة تعيد مسارات السلام، ولنأخذ الدروس والعبر من حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 التي مهدت لاتفاق السلام بين مصر وإسرائيل.
ولهذا، وإن كانت هناك زاوية إيجابية من الحرب، أنها قد تقنع الأطراف المتصارعة بضرورة العودة إلى العملية السياسية للسلام، حتى لا تنزلق المنطقة من نقطة الاستقرار إلى مستنقع الفوضى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة