إذا كان الوضع في مالي يبدو قبل شهرين معقداً، فإنه اليوم أصبح أكثر تعقيداً.
ففي 6 سبتمبر/أيلول المنصرم، قام جيش جديد تأسس في مالي، هو تنسيقية الحركات الأزوادية، بمهاجمة الجيش المالي ومستشاريه الروس بأسلوب مشابه تماماً لأسلوب تنظيم "القاعدة"، مع الاختلاف الوحيد المتمثل في أن متمردي أزواد هم الذين أعلنوا المسؤولية عن هذه الهجمات.
وبالتوازي مع ذلك، كانت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم "القاعدة" تشن هجمات متفرقة، أحياناً في نفس المكان الذي هاجمه المتمردون أو على بعد بضعة كيلومترات فقط. والمفارقة هي أن المتمردين و"القاعدة" كانوا أعداء قبل بضعة أشهر.
كل هذه الأحداث أثارت كافة أنواع التكهنات حول تعاون المتمردين مع تنظيم "القاعدة"، الأمر الذي دفع التنظيم الإرهابي إلى تقديم توضيحات لأتباعه لتجنب المزيد من سوء الفهم.
ولتعقيد المشهد أكثر، منذ 11 أغسطس/ آب الماضي، توقف فرع "داعش" في منطقة الساحل عن مهاجمة فرع تنظيم "القاعدة" والانفصاليين في أزواد، بل وانسحب إلى أراضي النيجر، مما أثار الشك حول ما إذا كانوا قد توصلوا إلى اتفاق.
وخلال هذه الفترة، نفّذ تنظيم "داعش" أربع هجمات ضد الجيش النييري، لكن لم يعلن تنظيم "داعش" ولا فروعه المسؤولية خلال هذه المرحلة.
وهذا الوضع هو الذي دفع إلى التفكير في وجود حلف محتمل بين المجموعتين الإرهابيتين، ولكن كما سنرى لاحقاً فإن تنظيم "القاعدة" ظل ينفي وجود مثل هذا التحالف.
وفي 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نشر زعيم تنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي، أبو ياسر الجزائري، وثيقة بعنوان “الخوارج: شر خلق الله” ، قدّم فيها بعض التوضيحات حول العلاقة بين تنظيم "القاعدة" و"داعش"، وأيضاً فيما يتعلق بالمتمردين في شمال مالي.
كان الهدف من الوثيقة توضيح اختلافات الموقف والعقيدة بين "القاعدة" و"داعش"، لكن في الحقيقة كان، أبو ياسر الجزائري، يستخدم هذا النص الذي جاء في 10 صفحات والمكوّن من 5320 كلمة ليرسل رسالته الحقيقية المكوّنة من 171 كلمة فقط في الفقرتين الأخيرتين.
وعلى الرغم من أنه كان ينوي إظهار أن الجمهور المستهدف هو مجموعته الخاصة، بل وأضاف أنه كان موجهاً إلى المسلمين، وخاصة أعضاء جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي، إلّا أنه في الواقع كان يهدف أيضاً إلى الوصول إلى وسائل الإعلام ووكالات الاستخبارات.
ولا يمكن أن تكون رسالته بشأن علاقته بداعش أكثر وضوحاً، حيث قال: “نشيد بتطور الوضع العسكري ضد جماعة الخوارج، حالياً العلاقة بيننا وبينهم هي الحرب، في السابق، كنا حريصين جداً على تجنب أي مواجهات معهم، وبذلنا كل ما في وسعنا لتجنب ذلك، كل هذا حتى لا ننشغل بغير عدونا الرئيسي، أي الفرنسيين وحلفائهم".
وفي الفقرة التالية أكد موقفه تجاه المتمردين في شمال مالي: " اهزموا هؤلاء الخوارج واطردوهم من المناطق التي هاجموها، بالتعاون مع أبناء القبائل غير المنتمين إلى الحركات العلمانية، لأننا نحن مجاهدو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لا نرضى بأي حال من الأحوال القتال إلى جانب من يرفعون الأعلام القومية وإلى جانب الحركات العلمانية مهما كان الوضع".
وأوضح أبو ياسر الجزائري، المسؤول في تنظيم "القاعدة"، أنهم ينسقون حالياً هجماتهم مع المتمردين في شمال مالي، بينما يركز "داعش" اهتمامه على مناطق أخرى. وعلى الرغم من أن هذا الوضع يمكن أن يتغير في أي وقت، إلّا أنه مع استمراره سيكون بلا شك صداعاً آخر للجيش المالي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة