معاناة مدينة الـ333 قديسا.. الإرهاب يقتل الحياة بـ"تمبكتو" المالية
اعتقد سكان تمبكتو بشمال مالي، في البداية أن إعلان الإرهابيين فرض الحصار كان لمجرد الترهيب، لكن الأمر تحول لمأساة يومية لا تطاق.
وقال عبد العزيز محمد يحيى، مسؤول في المجتمع المدني المحلي: "كنا نعتقد أنها مجرد رسائل صوتية لبث الخوف، واليوم ما نعيشه بصراحة هو الحصار فعلاً".
وكانت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي والتي تقاتل السلطات المالية منذ سنوات، قالت في سلسلة رسائل نشرتها مطلع أغسطس/آب الماضي، إنها "أعلنت الحرب" على منطقة تمبكتو.
وحذر طلحة أبو هند، وهو زعيم محلي في الجماعة، الشاحنات القادمة من الجزائر وموريتانيا وأماكن أخرى في المنطقة من دخول المدينة، مؤكداً أن تلك التي لا تستجيب للتحذير "سيتم استهدافها وإحراقها".
وتروي شهادات جمعتها وكالة "فرانس برس" في المكان وعبر الهاتف، يوميات عشرات الآلاف من سكان "مدينة الـ 333 قديساً" و"لؤلؤة الصحراء" ذات التاريخ والتراث الممتد لقرون، منذ هذا الإعلان.
ولم تعد الشاحنات تدخل المدينة التي بات السكان يغادرونها على مسؤوليتهم الخاصة، وسط بدء نفاد الحاجيات الضرورية وتساقط القذائف بعيداً عنها حتى الآن.
ويكشف بعض الشهود هويتهم بصراحة، بينما يطلب آخرون عدم الكشف عنها حفاظًا على سلامتهم.
وقال أحد السكان الذي عاد لتوه إلى تمبكتو وهو يقود دراجة نارية قادماً من غوندام، البعيدة 80 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي، إنه كان وحيداً في الطريق.
وأضاف "لم ألتق سوى إرهابيين مدججين بالسلاح يحملون رشاشات على متن دراجات نارية".
ونظراً لخطورة الطريق البالغة، شكل نهر النيجر الذي يجري في الجنوب، بديلاً لنقل البضائع والأشخاص. لكن هذا الحل فشل في 7 سبتمبر/أيلول الجاري، بسبب هجوم تبنّاه الإرهابيون وأسفر عن مقتل عشرات المدنيين كانوا على متن زورق تمبكتو التابع لشركة الملاحة المائية كوماناف العامة.
"لا يحتمل"
أما بالنسبة للرحلات الجوية، فقد أوقفت شركة "سكاي مالي"، الوحيدة التي تسيّر طائرات إلى تمبكتو، نشاطها بعد هجوم بقذيفة داخل محيط المطار.
ويسعى الإرهابيون إلى توسيع سيطرتهم على المناطق الريفية المحيطة بالمدن، ليس بالضرورة من خلال خطة للاستيلاء على البلدات التي تتمتع بدفاع أفضل، ولكن باتباع استراتيجية من المفترض أن تزيد الضغط على الدولة.
لكن المجلس العسكري الذي يواجه العديد من التحديات الأمنية في جميع أنحاء البلاد تقريبًا وتجدد التوتر في الشمال، يقلل من أهمية آثار حصار تمبكتو الذي يحرص على عدم وصفه بهذا المسمى.
وفي المدينة، يتراجع النشاط التجاري. وأكد عمر بركة، وهو رئيس جمعية شبابية، "إذا قمت بجولة في المدينة، ستجد الشاحنات متوقفة ولا تستطيع التحرك. ولم تعد أي شاحنات تدخل إلى تمبكتو الآن".
وقال التاجر بابا محمد، من جانبه، "نحن في أزمة. لم يعد يصل الكثير من السكر والحليب والزيت إلى المدينة"، معرباً عن قلقه من أنه "إذا استمر الأمر على هذا المنوال فسوف تغلق العديد من المتاجر أبوابها".
وفي هذه المنطقة الفقيرة والمهملة، يدفع المستهلكون ثمن النقص والمضاربة. إذ أشار بركة إلى أن "سعر لتر البنزين أصبح 1250 فرنكا أفريقيا (نحو 1,9 يورو) بينما ثمنه 700 فرنك".
واعتبر عبد العزيز محمد يحيى، أن "الوضع لا يحتمل، شعب تمبكتو يعاني".
"مع الألم"
كما يثير الوضع الأمني القلق، خاصة بعد أن غادرت الآن بعثة الأمم المتحدة، المنطقة بعد أن طردها المجلس العسكري. ومنذ بداية انسحاب البعثة الأممية، شدد الإرهابيون قبضتهم.
وقالت إحدى سكان تمبكتو "عادةً ما يخرج الناس لقضاء وقت ممتع في الخارج. لكن كل ذلك بدأ ينحسر، بسبب القذائف التي تسقط في الشارع، إن الناس خائفون للغاية".
بالإضافة إلى توسع النفوذ الإرهابي، يتعين أخذ التهديد بشن هجوم من قبل مجموعات متمردة يهيمن عليها الطوارق وعرب "على محمل الجد".
وقال أحد المسؤولين في المجتمع المدني إن هذه المجموعات "أفرغت المتاجر" تحسباً، على الأغلب، من احتمال التعرض لهجوم مضاد.
واستولت هذه المجموعات على تمبكتو عام 2012 قبل أن يسيطر عليها الإرهابيون الذين أثاروا ضجة بانتهاكهم وتدميرهم لعدد من الأضرحة مدرجة على لائحة التراث الإنساني العالمي.
وأشار هذا المسؤول إلى أن "الشوارع خالية والأجواء قاتمة والقلق يسود".
ولتخفيف الطوق، يوصي مسؤول آخر في المجتمع المدني بأن تتحدث السلطات مع الإرهابيين.
لكنه لا يعول على ذلك قائلا: "يخشى السكان جدًا من السلطات، وباماكو تقول إنه لا يوجد حصار وأنهم لن يتفاوضوا مع الإرهابيين.. لا أرى أي مخرج".
وفي الخامس من سبتمبر/أيلول الجاري، أشاد رئيس الوزراء المالي شوغيل كوكالا مايغا، بقوة الصمود أثناء لقائه بممثلي تمبكتو، وقال "علينا أن نضحي بكل شيء لفترة ما لتغيير هذا المسار. ولابد أن يتم ذلك مع الألم".
aXA6IDMuMjM3LjE1LjE0NSA= جزيرة ام اند امز