في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، هجوم إرهابي من قبل شخصين على وزارة الداخلية التركية في العاصمة أنقرة انتهى عند مدخلها بمقتلهما.
في الخامس من الشهر ذاته، هجوم إرهابي بطائرة مسيرة على الكلية الحربية في مدينة حمص السورية بعد دقائق من انتهاء حفل تخريج دفعة جديدة من الضباط السوريين الجدد راح ضحيته أكثر من 120 شخصا بينهم نساء وأطفال من ذوي الخريجين حضروا للاحتفال مع أبنائهم بتخرجهم.
خمسة أيام تفصل بين الهجومين، ومئات الكيلومترات تفصل بين المدينتين المستهدفتين، هل من رابط منطقي بين الحدثين؟ حيثيات كل هجوم مختلفة عن الأخرى، سواء من حيث الجهة المنفذة التي كشفت عن نفسها في هجوم أنقرة، بينما لا يزال الجاني في هجوم حمص السورية مجهولا، أو من حيث الأهداف المرتبطة بكل جهة من الجهات التي نفذت العملية.
الخيط الوحيد الرابط بين الحدثين هو سوريا وساحاتها وميادينها متشعبة الرؤوس والاتجاهات، فجأة استعرت المواجهات على أكثر من جبهة في سوريا، من الشمال إلى الشمال الشرقي وصولا إلى الشمال الغربي.
بدا وكأن الاحتباس الحاصل في مسيرة الوضع السوري، ميدانيا وسياسيا، قد تفجر بأشكال وطرق مختلفة ليبرهن على أن عوامل الاحتباس ليست متأتية من جهة بعينها، ولينبّه إلى حقيقة التداخل والتشابك بين مصالح جميع اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين على الأرض السورية رغم الصراع والخصومة بينهم، وليؤكد كذلك التضاد والتناقض بينهم في الدوافع وفي الأهداف، وأن الشظايا التي تتناثر في محيطها هي من إفرازات هذه الساحة وليس مستبعدا أن تطال هذه الجهة أو تلك.
جاء التفجير الإرهابي في أنقرة بداية الشهر ليفتح الباب واسعا أمام عملية عسكرية تركية ضد أهداف ومواقع حزب العمال الكردستاني في كل من شمال شرق سوريا وشمال العراق بعد تبنيه الهجوم على وزارة الداخلية التركية، في حين أطلق الجيش العربي السوري عملياته العسكرية الجوية ضد مواقع هيئة تحرير الشام في مناطق واسعة من إدلب وفي شمال غرب اللاذقية وشمال شرق حماة.
يُظهر المشهد الماثل على جبهات المواجهة في كلا المسارين العسكريين، السوري والتركي، من حيث المبدأ، صيغة مشتركة مستندة إلى الحق في الدفاع عن النفس وعن السيادة من جانب، ومن جانب آخر تتمظهر من خلاله كلتا العمليتين في لبوس واحد وهو استهداف الإرهاب الذي ضرب رمزيةً سيادية لكل منهما.
التباين الذي يحكم منطلق وغايات الجهتين المستهدفَتَيْن من قبل أنقرة عناصر حزب العمال الكردستاني، ومن قبل دمشق مسلحو هيئة تحرير الشام، لا يبتعد كثيراً في صورته النمطية عن التعارض والخصومة التي تحكم أولويات الدولتين الجارتين بعد سنوات الصراع، والتي تجلت بصيغها الأكثر وضوحا مع الانخراط في مسارات التفاوض بينهما برعاية روسية منذ ستة أشهر تقريبا دون نتائج حتى الآن.
مثلما كان ملفُّ "قسد" وما يثيره من هواجس وقلق تركي على أمنه القومي بسبب انتشاره قرب حدوده الجنوبية، عقبةً كأداء أمام حدوث أي تقدم جوهري في التفاهمات مع سوريا، فقد شكل ملف المعارضة المسلحة بمن فيهم هيئة تحرير الشام والوجود التركي في عدد من مناطق الشمال السوري هو الآخر عقبة أكبر أمام أي اختراق محتمل لجدار الصد الذي يفصل بين الجانبين على طريق التقدم إلى الأمام في مسيرة التطبيع.
إلى ما قبل حادثتي أنقرة وحمص ظل كل طرف متمسكا بما يعتقد أنه ورقة تفاوضية تعزز موقفه، المقاربة السورية تتلخص بأن "قسد"، ورغم كل الملاحظات عليها تشكل إحدى مكونات المجتمع السوري، وسوريا ليست في وارد خوض حرب معها تحقيقا لمصلحة طرف آخر، في حين انطوت المقاربة التركية على مطالبها المتعلقة بمجمل محددات العملية السياسية السورية متجاهلة مطالب سورية السيادية، وهي لن تغير مواقفها إلا بعد أن تلمس توجها جديا في هذا المضمار وفقا لتصريحات مسؤوليها.
مستجدات الميدان السوري الحالية عكست بشكل ملحوظ تقديرات غير مباشرة لكنها متقاطعة بين دمشق وأنقرة، نابعةً من تفهم كل منهما لاحتياجات الآخر الأمنية والسيادية، حيث اكتفى كل طرف في الذهاب نحو أهدافه التي كانت بالأمس أوراقا تفاوضية بيد خصمه، فبدا الأمر أشبه بمنازلة تفاوضية عبر النار، مما قد يفسح المجال أمام إمكانية تحويل هذه الجولة من المواجهة المتباينة الاتجاهات إلى محور لتلاقي الجانبين السوري والتركي مجددا بعد أن تأكد كلاهما بأن أمنه الاستراتيجي مرتبط باستقرار وسلامة جاره الآخر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة