صعود طالبان.. ثلاثية الانتماء والأيديولوجيا وفوضى الانسحاب
يظل صعود حركة طالبان إلى سدة الحكم في أفغانستان ضمن الأبرز في عام 2021، خصوصا مع سهولة سيطرتها على البلاد.
هذا الحدث كان محورا للعديد من الدراسات التي حاولت الوقوف على أسبابه، وفق معطيات البيئة السياسية والاستراتيجية حينها، وما أسباب سقوط أفغانستان بالكامل في قبضة طالبان خلال 20 يوما فقط؟
وهنا، جاءت دراسة بعنوان "عودة طالبان.. المعطيات الواقعية والسيناريوهات المستقبلية"، الصادرة عن مركز ترندز للبحوث والاستشارات، لتكشف أسباب الصعود المفاجئ لحركة طالبان في توقيته ومدته الزمنية، والمتوقع حدوثه بعد الانسحاب الأمريكي أيضاً.
وأشارت الدراسة التي كتبها الدكتور محمد أبوغزلة، إلى أن هذا الحدث مرتبط بثلاثة أسباب هي: قوات تقاتل بلا انتماء، وأخرى تحارب بخلفية أيديولوجية، وقوة عظمى تنسحب بلا خطة.
ولفتت الدراسة إلى أن دخول طالبان العاصمة الأفغانية كابول بعد 20 عاما من طردها على يد القوات الأمريكية في ديسمبر/كانون الأول 2001، كان متوقعا، ولكن المفاجأة أنها سقطت خلال ساعات ودون قتال، حيث تم تسليم القصر الرئاسي لقادة من طالبان من قبل مسؤول أمن العاصمة والبعثات الدبلوماسية بشكل سلمي.
الانتماء والأيديولوجيا
وأجابت الدراسة عن السؤال الأكبر وهو: أين القوات الأفغانية التي أُنفقت عليها المليارات وزُوِّدت بأحدث الأسلحة والمعدات وتم تدريبيها على يد أفضل الجيوش والخبرات؟
وهنا، أوضح الباحث أن الولايات المتحدة أنفقت ما يقرب من 88 مليار دولار على قطاع الدفاع في أفغانستان منذ عام 2001 وحتى مارس/آذار 2021، بجانب 70 مليون دولار من حلف الناتو.
وترى الدراسة أن الإجابة المحورية عن هذا السؤال تتمثل في فقدان هذه القوات إلى "الانتماء" والولاء، فهي تقاتل لصالح جهة أجنبية، ومقابل المال، ومن ثم ليست لديها الرغبة الحقيقية للتضحية.
في المقابل، فإن قوات حركة طالبان تنطلق من قاعدة تنظيمية تتمثل في الأيديولوجية، فهي تقاتل عن عقيدة وتؤمن بأنها تحارب قوة احتلال، وقد كانت تؤكد ذلك طوال كل هذه الفترة من الصـراع، ولهذا فهي تملك إرادة قوية للقتال، بحسب الدراسة.
وللتأكيد على أهمية الجانب الأيديولوجي في الحدث ميدانيا، أوضحت الدراسة أن عدد مقالتي طالبان يبلغ تقريباً 80 ألفا فقط مقارنة بأكثر من 300 ألف جندي حكومي، مدعومين بالقوات الأمريكية وقوة جوية ضاربة.
الدراسة كشفت أيضاً عن أن الموقف الأيديولوجي لحركة طالبان، إضافة إلى الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها بعض عناصر القوات الدولية لا سيما قتل المدنيين، سواء بقصد أو غير قصد، ساهم في وجود تعاطف شعبي، خاصة في المناطق المحافظة والقبلية.
ولم يغفل الباحث أيضاً دور العنصـر العرقي نفسه، حيث تمثل طالبان عرقية البشتون، وهم العرقية الأكبر في البلاد ويشكلون نحو 45% من السكان، وهو ما لعب دورا بارزا في اجتياح البلاد بأكملها فعلياً في غضون أسابيع، بينما استسلم القادة العسكريون في غضون ساعات.
فوضى الانسحاب
على صعيد آخر، نوهت الدراسة إلى فوضى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ودورها في سرعة سقوط أفغانستان بيد طالبان.
وقالت "إن فشل القوات الأفغانية في الدفاع عن كابول وغيرها من المناطق، لا يعفي أبداً الولايات المتحدة من المسؤولية، بل إنها تتحمل المسؤولية الكبرى".
ولفتت الدراسة أيضاً إلى أن قرار الانسحاب الأمريكي جاء دون أخذ التطورات الميدانية بالحسبان وقبل توقيع اتفاق سلام شامل، وهو ما يعد من وجهة نظر الكثيرين قراراً خاطئاً.
وأوضح الباحث أن الموقف الأمريكي هذا -ورغم أن له ما يبرره من جوانب عدة، حيث لا يوجد كما يبدو نور في نهاية النفق- شجع طالبان على المضـي قدماً في مخططها، حيث استغلت الفرصة المناسبة، بينما كانت واشنطن منشغلة بعملية الانسحاب، لتتقدم نحو الولايات بسـرعة ولتحكم سيطرتها على العاصمة مجدداً بعد 20 عاماً من خروجها منها بالقوة.
ماذا بعد؟
الدراسة رصدت عدة سيناريوهات لمرحلة ما بعد صعود طالبان، والتي تتراوح ما بين التفاؤل والتشاؤم.
وفيما يتعلق بـ"السيناريو المتفائل"، أشارت الدراسة إلى أنه يستند إلى أن الحركة اليوم ربما تكون مختلفة عن تلك التي كانت قبل 20 عاماً.
وهنا لفتت إلى رسائل الطمأنة التي بعثتها طالبان في عدة اتجاهات؛ للداخل من بينها العفو العام عن الجميع واستعدادها للمشاركة؛ وللخارج حيث أبدت الاستعداد للانفتاح والتعامل مع الجميع.
وأشارت الدراسة إلى أن "هذه الرسائل تشير إلى وجود فرصة لانطلاقة جديدة، وفي ظل هذا السيناريو قد تحقق طالبان بعض الاستقرار داخل أفغانستان وقدراً من التفاهم الداخلي، خاصة مع القوى الأخرى التي لديها الاستعداد للتعامل معها، والخارجي خاصة مع دول الجوار".
أما "السيناريو الأسوأ"، فيستند إلى أن التغييرات الحالية في سلوك طالبان هي مجرد تكتيك للوصول إلى السلطة والتمكين، بحسب الدراسة.
وهنا ترى أن "طالبان في الحقيقة والواقع اليوم لا تختلف عن أمس كثيراً؛ ولهذا ستحاول فرض نظام شديد القسوة في أفغانستان، مما يؤدي إلى مزيد من التدهور في الحياة العامة في البلاد".
ولا تستبعد الدراسة "أن تتدهور الأوضاع، خاصة إذا فشل الحوار، واتبعت طالبان سياسة القمع والإقصاء؛ ما قد يؤدي إلى تجدد القتال خاصة مع القوى المناوئة لطالبان، ومن ثم لا يستبعد حدوث حرب أهلية مجدداً، وكما كان الحال منذ أكثر من عقدين، سيؤدي ذلك إلى تفاقم أزماتها القائمة، وحدوث أزمة لاجئين كبيرة أخرى تتجاوز تداعياتها السلبية حدود البلاد والإقليم؛ لتشمل المنطقة وربما العالم أجمع".