إذا كنت بحاجة إلى العالم، فمن الخير أن تتعايش مع قيمه ومعاييره.
هذا هو الدرس الذي لم تتعلمه إيران الولي الفقيه، وهو ذاته الدرس الذي يتعين على حكومة طالبان الجديدة أن تحدد موقفها منه.
تنظيم "داعش" اختار أن يُقاطع العالم ويحاربه، من دون أن يطلب الانتساب له، بينما وضعت دول مثل إيران نفسها في موضع مفارقة عجيبة بين العيش في العالم، والانتساب إلى منظماته، واختارت أن تنتهك قيمه ومعاييره.
طالبان في أفغانستان، وهي في أول الطريق لبناء نظام سياسي جديد، يتعين عليها أن تختار، بين تقبّل تلك القيم أو رفضها. ولكل خيار طريق يمكن المضي به إلى حيثما ينتهي، عمارةً أو دمارا.
العالم لا يريد من أفغانستان ولا من إيران، ولا من أي دولة أو منظمة، أكثر من أن تحترم قواعد علاقاته وقيمه. دون ذلك، يمكن اختيار العزلة، من دون اعتداء على حقوق وسيادة أحد. وستجد العالم بعيدا عنك. كما يمكن اختيار العزلة وممارسة أعمال العدوان وستجد العالم يستجمع قواه لمواجهتك. كما يمكن ممارسة النفاق أيضا، كما يفعل نظام الولي الفقيه، قبل أن يجد نفسه في مأزق، لأن حبل النفاق قصير.
ليس مطلوبا من أفغانستان الجديدة، إذا شاءت أن تكون عضوا في أسرة الدول التي تُدعى "الأمم المتحدة"، أكثر من مطالعة ميثاقها. بل ليس أكثر من مطالعة "الديباجة" التي تقول:
"نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا: أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية،
وأن نبيّن الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح.
وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا: أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار، وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي، وأن نكفل بقبولنا مبادئ معيّنة ورسم الخطط اللازمة لها ألا تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة، وأن نستخدم الأداة الدولية في ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها".
هذه الديباجة تكاد تكون أساس كل شيء آخر في ميثاق الأمم المتحدة. وهي وُضعت من قبل أن تظهر طالبان وداعش والقاعدة ونظام الولي الفقيه إلى الوجود. بمعنى أنها معايير وقيم إنسانية محايدة تماما، اجتمعت البشرية على قبولها، وقررت أن تتعايش مع بعضها على أساسها.
وماذا تريد دول المنطقة من إيران أكثر من حسن الجوار وعدم التدخل في شؤونها، والامتناع عن استخدام السلاح أو التهديد بالقوة؟
ماذا تريد أكثر من أن تقيم علاقات تعاون قائمة على احترام سيادة الغير على أرضه وحكومته، من دون مليشيات وعصابات فساد وقتل وجريمة؟
ماذا تريد أكثر من أن تكون العلاقات بين شعوب المنطقة قائمة على الانفتاح والتسامح والقبول بالآخر وحفظ الأمن والسلام؟
ماذا تريد أكثر من أن تقتفي أثر المصالح المشتركة، عندما تكون قائمة على احترام الحقوق المتبادلة، بقصد التنمية المتبادلة بدلا من أعمال النهب عن طريق تنظيمات فساد؟
وعندما يطلب العالم من أفغانستان الجديدة احترام الحقوق الأساسية للإنسان وكرامة الفرد والمساواة بين الرجال والنساء، فلأن الخبرات البشرية كلها تقول إن الأنظمة السياسية التي لا تحترم هذه الحقوق هي، بطبيعتها، أنظمة حروب وأعمال عدوانية.
الأنظمة النازية والاستبدادية كلها، بدأت كأنظمة انتهاكات داخلية للحقوق الإنسانية، قبل أن تكون أنظمة حروب في الخارج.
عندما تختار إيران أن تقوم بـ"تصدير الثورة" عن طريق مليشيات وعصابات فساد وجريمة، فإنها تنتهك ميثاق الأمم المتحدة، من ديباجته إلى آخر سطر فيه.
وسيكون المرء صادقا مع نفسه، لو أنها اختارت إلغاء عضويتها في هذه المنظمة، طالما أنها لا تستطيع أن تحترم قيمها ومعاييرها.
النفاق قد ينفع، إلا أن حباله قصيرة في النهاية. والعالم اليوم حائر تماما، كيف يتعامل مع تهديدات إيران ونفاقها؟
وإذا ما وجدت طالبان نفسها بحاجة إلى عون العالم ومساعدته من أجل إعادة بناء البلاد وضمان ازدهارها وتنمية مجتمعها، فإنها لا تحتاج أكثر من أن تقرأ الديباجة لتسأل نفسها عما إذا كانت تقبل بما أوحت به من معايير وقيم.
لا شيء أبسط من ذلك، ولا أكثر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة