يردد الشعب الإيراني منذ إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية أن المرشد له السلطة الأعلى، وأن "رئيسي" أداة لديمقراطية مزيفة.
فمنذ تنصيب "رئيسي"، الذي أتى على وقع رفض وأزمة عميقة بالداخل الإيراني وتوترات خارجية، اتخذت الأمور منحى تصاعدياً بين طهران وبين الغرب وإسرائيل، ومع تنصيبه رسمياً بدأت مناوشات بين تل أبيب و"حزب الله" الإرهابي، وهي بالتأكيد ليست مصادفة، فالرجل ليس صاحب القرار في طهران وليس من يعطي الأوامر الهجومية أو الدفاعية، وأي خطوة تقوم بها الحكومات الإيرانية تكون بعد موافقة المرشد الأعلى.
المعارضون لـ"رئيسي" حاليا يرون ويرددون أن الأمل فيه مفقود، فهو الذي أجاب المراسلين عندما سألوه عن دوره في مجزرة صيف 1988 بقوله "ذلك كان من أجل حقوق الإنسان"، مؤيدًا ومنفذًا للفتوى الشهيرة التي أصدرها "الخميني"، والتي أباح بموجبها قتل آلاف السجناء السياسيين، وبالتالي هو لن يخرج عن عباءة المرشد ومساره، وأن تصرفات إيران في ظلّ وجود "خامنئي" لا تبشّر بالخير، على العكس من ذلك، نشهد يوميا إصرارا إيرانيا على الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي.
مع تولي المتشدد "رئيسي" منصب الرئاسة الإيرانية برزت ملامح التصعيد والصدام الإيراني الغربي على خلفية الهجوم على ناقلة "ميرسر ستريت"، لكن ليس من الضروري أن يؤدي التوتر المتصاعد في منطقتي الشرق الأوسط والخليج العربي إلى صدام حتمي بين الأطراف الإقليمية الفاعلة والقوى الدولية الموجودة في هاتين المنطقتين، إلا أن مستوى التهديدات والاتهامات المتبادلة وصل إلى مرحلة تنذر بحدوث تغير في قواعد الاشتباك، إذا ما تغيرت حسابات طرف تكتيكيا ودفع المواجهة إلى خيارات أخرى، مما يجعلنا نلتقط الإشارات بأنّ منطقة الشرق الأوسط تبدو مقبلة على أحداث كبيرة في ظلّ إصرار إيران على لعب دور يفوق حجمها والذهاب بعيدا في لعبة التصعيد، ما يجعل من الصعب التكهّن بطبيعة هذه الأحداث التي يمكن أن تصل إلى مواجهات عسكريّة تتجاوز ما نشهده منذ سنوات عدّة.
ترشيح "رئيسي" مؤخرا اسم أحمد وحيدي، أحد قادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري، كمرشح لمنصب وزير الداخلية، يعقّد الأمور أكثر، فالرجل مدرج بقائمة الإنتربول كمطلوب على خلفية اتهامه في تفجير مركزين لليهود بالأرجنتين.
كما أن هذا الترشيح يؤكد تقارير إعلام إيران بأن مجلس الأمن القومي الإيراني، الذي يتبع المرشد مباشرة، هو من سيتولى المفاوضات النووية في فيينا، بدلاً من وزارة الخارجية، التي كان يقودها معتدلون نسبياً خلال حكم "روحاني"، وأيضا يؤكد أن وصول "رئيسي" إلى سدة الحكم في إيران كان طعنة أخيرة لحلم الإصلاح في إيران، التي تعيش اليوم مرحلة التمكين للتيار المتشدد والحرس الثوري من مفاصل الدولة بشكل أكبر.
التشدد الإيراني يُبين أنه لا يبدو نور يسطع في آخر النفق حين يتعلق الأمر بالتجاوزات الإيرانية، فما تقوم به إيران من استفزازات في الخليج العربي لحركة الملاحة والتجارة الدولية هو إرهاب دولة ضد المنطقة والحركة التجارية العالمية، ومعه لا يبدو أن هناك استقراراً لمنطقة الشرق الأوسط، لأن سلوك إيران يسعى إلى شرعنة ودمج منطق المليشيا بمنطق الدولة، ومزج المقاومة بالمساومة والهروب من الأزمات عبر الاشتباك مع الخارج، فنظام الولي الفقيه يلجأ إلى ذلك طبعا نظرا إلى عجزه عن القيام بواجباته والتزاماته الداخلية الشعبية والخارجية وإيجاد أي حل لهذه المشكلات.
إن تأثيرات المليشيات المدعومة من إيران تتجاوز كل ما عرفناه من إرهاب التنظيمات في ظل التنازلات الغربية المتواصلة وتفاؤلها المستمر بشأن إحياء الاتفاق النووي، رغم انتخاب "رئيسي" المتشدد، إذ يبدو واضحا أن إيران مصرّة على فرض شروطها، لكنها حتما ستعود إلى الاتفاق النووي رغم تعنُّتها، عندما تكون قد حققت أهدافها وانتزعت كل تنازل من الـغرب من أجل حماية عبثها ومليشياتها واقتصادها من العقوبات، التي لا توقف عدوانها المتكرر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة