ما حدث مع ناقلة النفط "ميرسر ستريت" مؤخرا يعيدنا إلى مسلسل تديره إيران في ممراتنا المائية، لحصد مكاسب سياسية وتخفيف الضغوط عليها.
استهداف "ميرسر ستريت" عبر طائرة مسيرة، أكدت كل الدلالات أنها إيرانية الصنع، يعتبر جزءا من استراتيجية إيرانية قديمة لا تختلف هذه المرة إلا في أداة التنفيذ، التي وصل مداها إلى ألفي كيلومتر، وهذا هو المتغير الذي قد يفرض جديدا في لغة الصراع مستقبلا.
لقد اتبعت إيران آليات كثيرة خلال حرب الناقلات في الممرات الملاحية العربية، إما عبر الزوارق البحرية المقاتلة أو عبر الألغام العائمة، لكن الجديد هذه المرة هو استخدام السماء لضرب البحر عبر مسيّرات، وهنا قد نجد أنفسنا أمام سيناريو قديم يذكرنا بحرب الناقلات في ثمانينيات القرن الماضي، حين دخل الاتحاد السوفييتي، ومعه أمريكا وبريطانيا، كدول حامية لمرور السفن في المنطقة، ورغم ذلك حدثت مواجهات كبيرة بين السفن الإيرانية من جهة والأمريكية والروسية من جهة أخرى.
ومع بداية عام 1987، وصلت المواجهات إلى ذروتها، وارتفعت الخسائر إلى مليارات الدولارات، وتم تدمير ما يقرب من 564 سفينة تجارية و259 ناقلة نفط وقُتل 430 بحارا.
حرب الناقلات في الثمانينيات تجاوزها الزمن، ولم يأت في ذهن أحد أن يصل التصعيد حاليا إلى ما وصل إليه سابقا، لكن هذه المرة ليست كسابقاتها، إذ إن الأداة تغيرت وتعقدت.
فالمسيرات الإيرانية، التي استخدمت في الهجوم على "أرامكو" السعودية وعلى بعض المدن الحدودية من قبل مليشيات الحوثي الإرهابية، المدعومة من إيران، هي نفسها التي استخدمتها طهران في ضرب ناقلة النفط الأخيرة، وأمام هذا التهديد الخطير لاقتصاد العالم وجب وجود تأمين جوي حتى لا تتكرر تلك الاعتداءات على الملاحة الدولية.
صحيفة "نيويورك تايمز" تشير إلى احتمالية تكرار سيناريو الهجوم الإيراني، خصوصا أن خلفيات الصراع لا تزال قائمة.
فالاستهداف الإيراني الأخير لناقلة "ميرسر ستريت" يرده البعض إلى الهجوم الإسرائيلي على مطار "الضبعة" السوري، الذي يحوي القوات التي تشرف على الفصائل والمليشيات الإيرانية هناك، وبالتالي فهو رد إيراني على هجوم إسرائيلي، ولا توقف لهذا الصراع في المدى المنظور إلا عبر القانون الدولي لضمان تدفق النفط وحركة الملاحة بعد تعمد إيران تعطيلهما عبر إدارة معاركها خارج أراضيها، بما يضر ليس بدول المنطقة فقط، بل بالعالم كله.
وللعلم، فإن 40 في المائة من النفط العالمي تمر نقلا عبر مضيق هرمز، وهو محمي دوليا بمواد القانون، ومحمي أيضا باتفاقات وقعتها دول كبرى مثل أمريكا وبريطانيا وهولندا وفرنسا مع دول الخليج العربي، وهنا سؤال: لماذا التراخي العالمي أمام العبث الإيراني بالممرات الملاحية في المنطقة؟
البعض يرى أن أمريكا في عهد "بايدن" دخلت في توازنات سياسية مع إيران، خصوصا حينما أعلن "بايدن" إعادة إحياء الاتفاق النووي، وبدأ ماراثون جولات فيينا من مفاوضات لا أحد يعلم متى تنتهي.
قد يكون موقف الغرب وأمريكا من إيران قائما على فكرة عدم التصعيد حتى تنتهي جولات التفاوض حول "النووي" في فيينا، وهو ما يظهرها في صورة المتمهّل، لكن إيران، على الجانب الآخر، تطمح إلى رفع كامل العقوبات الأمريكية عليها كاستثمار جيد وابتزاز لموقف أمريكا، التي بدورها ترفض استحالة تنفيذ الطموح الإيراني برفع العقوبات عنها تماما، وهذه هي معضلة الحوار بين الجانبين في فيينا.
إيرانيا، تزداد الأمور تعقيدا في ظل وجود إبراهيم رئيسي كرئيس لإيران، باعتباره بداية صفحة جديدة من التشدد عبر سيطرة الحرس الثوري ومعه بقية الأطراف المشابهة له على مفاصل إيران.
في ظل كل هذه التشابكات، على العالم أن يقف في وجه التهديد الإيراني من أجل جعل الممرات الملاحية في الخليج العربي بعيدة عن تصفية الحسابات بين المتنازعين، وإلا دفع العالم ثمنا باهظا حيال جلوسه على مقعد المتفرج أمام الاعتداءات الإيرانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة