تراقب الإدارة الأمريكية عن قرب ما يجري من مواجهة إيرانية-إسرائيلية في الخليج العربي وخارجه.
ومن الواضح أن الرئيس الأمريكي جو بإيدن يختلف عن سلفه "ترامب"، الذي نجح في كبح جماح الحكومة الإسرائيلية السابقة ورئيسها نتنياهو، رغم الدعم الأمريكي المفتوح لإسرائيل، في ظل عقيدة أمريكية، جمهورية أو ديمقراطية، باعتبار أمن إسرائيل شأنا داخليا أمريكيا، ومن ثمَّ كانت التباينات الحقيقية داخل الإدارة الأمريكية، ولا تزال، قائمة حول كيف سيتم ضبط المخطط الإسرائيلي في مواجهة إيران، وتحييد قدراتها العسكرية، التي تهدد أمن الإقليم بأكمله.
من الواضح أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، ساعية إلى أن تكون سبّاقة في تاريخ الوزارات الإسرائيلية، بالعمل على خيارات متعددة ومتنوعة داخليا وإقليميا.
فقد نجح "بينيت" في تمرير الموازنة العامة للدولة، وهو ما لم يستطع رئيس الوزراء السابق فيه، كما أنه يريد تحصين حكومته، التي تحمل كل المتناقضات لما تضمه من أحزاب غير متسقة، ضد أي تغيير أو سقوط، وهو ما توقعه البعض مبكرا لحكومة برأسين، تضم نفتالي بينيت ويائير لابيد، والأخير سيتولى النصف الثاني من الحكومة، وبالتالي فإن الحكومة الإسرائيلية ستسمع لإدارة الرئيس "بايدن"، ولكن سيكون لها قرارها السياسي والاستراتيجي المنفرد، والقضية ليست في منح الإدارة الأمريكية ضوءا أخضر للحكومة الإسرائيلية في التحرك والعمل على مواجهة إيران، وإنما العمل على خيارات متعددة.
الملاحظ -وفق تقييمات أمريكية- أن "بايدن" طلب من الحكومة الإسرائيلية ممارسة أكبر قدر من الضغوط على إيران ومحاصرة خياراتها وتحركاتها لدفعها إلى الدخول في مفاوضات جدية حول الاتفاق النووي، وهو ما لا تريده الحكومة الإسرائيلية وتسعى إلى عرقلة التفاوض فيه أصلا، واضعة كثيرا من التحفظات السياسية والأمنية عليه، وطلبت، في إطار التنسيق الأمني والسياسي بين مسؤوليها ونظرائهم الأمريكيين، ضرورة ضبط السلوك الإيراني بالكامل، وعدم التوقف عند البنود النووية، التي تتنصّل إيران من بعضها، خاصة نسب التخصيب وتطوير العمل في مفاعلي بوشهر ونطنز، ما سيؤدي إلى تباين في رؤى الجانبين.
فإسرائيل في الوقت الراهن تعمل على استثمار ما يجري، وستطالب بدور أمريكي بريطاني إسرائيلي لمواجهة التحديات والمخاطر الإيرانية، حيث الطرح الإسرائيلي المدعوم أمريكيا عبر إيجاد قوات مراقبة وتتبع للنطاقات البحرية، وإيجاد مناطق معقّمة بحريا لا تستطيع إيران الاقتراب منها، وتمشيط الممرات الدولية تخوفا من تأثير ما يجري إيرانيا على حركة الملاحة الدولية، باعتبار أن توفير السلامة البحرية أمر منشود من قبل كل الدول في الإقليم وخارجه.
لذا، فالإشكالية الحقيقية ليست في الرد الإسرائيلي فقط، وإنما في طبيعة ما يمكن أن ترد به إسرائيل، خاصة أن اعتمادها على الخيارات الاستخباراتية سيظل قائما ومهما في التعامل مع إيران، بعد نجاح إسرائيل في اختراق البرنامج النووي الإيراني، وإضرارها بخطواته التنظيمية، بل ونجاحها في تصفية علماء كبار في البرنامج النووي الإيراني، وهو ما أخّر وصول إيران إلى مرحلة العتبة النووية.
والإشكالية، التي يطرحها القادة الإسرائيليون حول وصول إيران إلى النووي خلال أسابيع عدة، ما هي إلا تصريحات إعلامية إسرائيلية لم تتغير منذ سنوات، في مواجهة سعي إيران لتغيير المشهد في الإقليم بأكمله، وبناء رؤية سياسية واستراتيجية جديدة، وما تريده إسرائيل، ليس فقط تحجيم الحضور الإيراني في الإقليم، ولكن التعامل بحزم مع خطرها، ممثلا في البرنامجين النووي والصاروخي، بل ومع وكلائها، الذين يهددون أمن الإقليم، فما ينطبق على "حزب الله" الإرهابي ينطبق أيضا على التنظيمات الأخرى في غزة واليمن والعراق، والتي تسعى لتنفيذ المخططات الإيرانية في توقيتها، الأمر الذي يتطلب مراجعة حقيقية.
وفي ظل خيارات متعددة تعمل عليها إسرائيل بالأساس في الضغط على الإدارة الأمريكية لوقف استئناف المفاوضات النووية، التي يرتب لها الطرفان من أجل مراجعة ما تم في فيينا مؤخرا، تسعى إسرائيل لتأكيد خطر التعامل مع إيران كدولة معوقة للاستقرار في الشرق الأوسط، ما يعني -وفقا للتصور الإسرائيلي- وقف المفاوضات تكتيكيا أو تجميدها، وهو الهدف الاستراتيجي الذي تعمل عليه حكومة إسرائيل لتفويت الفرصة على إيران باستغلال تباينات واختلافات الرؤى بين إسرائيل وأمريكا حول ملفها بالكامل، فيما تركز إسرائيل على عنصري الوقت والتخوف من توصل إيران إلى القنبلة النووية.
وستتجه إسرائيل إلى إعلان إجراءات منفردة عبر رفع علمها على ناقلاتها، التي ستعبر منطقة خليج عمان والخليج العربي، ما سيؤدي إلى اعتبار كل السفن، التي تبحر في المنطقة بملكية إسرائيلية أو تشغلها شركات قاعدتها في إسرائيل، سفنا تبحر تحت العلم الإسرائيلي، ما يعني أن محاولات تعطيلها أو مهاجمتها ستعد ماسة بالسيادة الإسرائيلية وتعتبر عمليات إرهاب بحري.
كذلك ستخطط تل أبيب لتشكيل قوة بحرية متعددة الجنسيات، تشارك بها 33 دولة، وتعمل وفق قرار من مجلس الأمن، لتنفيذ أعمال الرقابة وفحص السفن المشبوهة وإيقافها، وضمان التجارة البحرية الشرعية دون التعرض للتهديدات الراهنة التي تُحدثها إيران.
ويمكن لهذه القوة -كما ترى التقييمات الإسرائيلية- أن تعمل تحت مظلة التحالف البحري، أو من خلال مظلة أمريكية-بريطانية يتم الاتفاق بشأنها.
وستعمل إسرائيل على توسيع نطاق التعامل مع الأسطول الأمريكي، الذي يتخذ له قاعدة في المنطقة، ومن المهم التركيز على أن وضع إسرائيل في الوقت الراهن في قيادة القوات المركزية بالشرق الأوسط يسمح لها بإتمام ذلك، في ظل المهام الجديدة لها ضمن هذه القيادة، وبالتنسيق والعمل مع قوات حلف الناتو، التي بدأت منذ فترات سابقة زيارة بعض الموانئ الإسرائيلية، والتعامل من خلال الوجود الأمريكي المقيم في شمال إسرائيل وعبر القاعدة العسكرية ومركز العمليات الأمريكي الدائم في إسرائيل.
المعنى من هذا كله إذًا أن إسرائيل ستستمر في التعامل مع إيران كأكبر مهدد للاستقرار في الإقليم، وهو ما يجب أن يكون على رأس الأولويات الأمنية والاستراتيجية لكل دول المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة