إذا اعتزمت أن تفعل شيئا، فلماذا تخاف؟ وإذا خفت، فلماذا تفعله؟
الأدلة التي تثبت وقوف إيران وراء الهجوم على الناقلة الإسرائيلية "ميرسر ستريت" أكبر من أن تُدحض. وهو ليس الهجوم الأول. إنه جزء من سلسلة اعتداءات دأبت إيران على ارتكابها ضد حركة الملاحة في مياه الخليج العربي. وكلها سُجلت في مواثيق التحقيقات باسم إيران. ولم تعترف إيران بأي جريمة منها.
وتمسكت بالنكران، في دلالة قاطعة على أنها تخاف مما تفعل، ولكنها تعاود فعله مرة بعد أخرى.
بحسب المنطق، إذا كانت هناك حاجة للمنطق، فإن المرء إذا اعتزم شيئا فإنه يتعين أن يمتلك الشجاعة على القبول بما يفعله، والدفاع عنه والكشف عن مبرراته، حتى دون حاجة لاستدعاء تحقيقات.
وثمة قاعدة أخلاقية تقول إنك حتى وإن كنت تفعل شيئا في الخفاء، فيحسن ألا تخاف منه في العلن، وإلا فلا تفعله. لأنك بنكرانه تعترف ضمنيا بأنه خطيئة. وليس من الشرف أن يعترف المرء بخطيئة ويظل يرتكبها.
فما السر الذي يجعل إيران ترتكب خطيئة وتنكرها وتخاف منها في عين الوقت؟
لا حاجة لإطلاق أوصاف على سلوك يبدو عدوانيا. ولكن السر الذي لا يخفى على أحد، هو أن إيران تخاف رد فعل العالم لأنها لا تملك القدرة على الدفاع عن نفسها إذا ما اجتمعت قواه ضدها. وهي تعرف أيضا أن هذه القوى لا تجد لنفسها مصلحة في أن تندفع إلى حرب تجعل من إيران رمادا، وتحيط بالضرر دولا أخرى واقتصاد العالم برمته في آنٍ.
سلطة الولي الفقيه تخاف مما تفعل. ولكنها تراهن في النكران على أن العالم الذي صبر على مسالكها العدوانية، سيظل يصبر.
الخلل في هذا التصور هو أن إيران ستظل في عين العالم نظاما يمارس أعمال العدوان، كأي مُعتدٍ يستمد قوته من تردد الآخرين في كبحه. فيظن أنه قادر على ارتكاب المزيد، بينما هو يعاني حصارا بعد عقوبات، وعزلة بعد قطيعة، واستنكارا بعد كل نكران.
وهذه ليست طريقة للعيش. إنها سلوك لا يستقيم مع أدنى متطلبات رعاية مصالح شعب يتجاوز تعداده 82 مليون إنسان. وهؤلاء إنما أصبحوا ضحايا لهذا السلوك، حتى صاروا يدفعون ثمنا باهظا في كل وجه من وجوه حياتهم.
هل لا يستطيع العالم أن يحشد من القوة العسكرية ما يكفي لتأديب نظام عدواني؟ الجواب لا يحتاج حتى إلى جردة حساب، لا في الإمكانيات المادية ولا في الأسلحة ولا في التقنيات العسكرية.
ولكن حساب "اليوم التالي" هو ما يمنع العالم عن القبول بالنتائج. فليس من أجل الإطاحة بنظام عدواني، يمكن التضحية بحياة 82 مليون إنسان، وليس من أجل تصويب سلوك رديء، يجوز إلحاق الضرر بكل من حوله.
لا تخشى دول المنطقة من القول إن اقتصاد العالم هو ما يقع تحت التهديد، وليس سلامتها الإقليمية. وهي تمتلك من القدرات ما يكفي لكي تجعل إيران تقع على ركبتيها، إلا أنها لا تريد أن تقع تحت دائرة المسؤولية عما قد يعانيه العالم بأسره. ولهذا السبب فإن قرار الحرب والسلم يظل قرارا دوليا. وهو ذاته القرار الدولي الذي يتعين أن يواجه مسالك العدوان، بكل ما أمكن من التوافق بين الفاعلين والمتضررين. فضلا عن أن شعب الاثنين وثمانين مليونا يتعين أن يعرف ما ينتظره في اليوم التالي.
قصارى القول، هو أن مسالك العدوان التي يظن نظام الولي الفقيه أنها تنفعه، لا تنفعه على وجه الحقيقة، لأنها تبقيه في عين العالم نظام عدوان.
وهي تُجبر العالم على إبقائه معزولا، وخاضعا للعقوبات، وعاجزا عن اللحاق بفرص التنمية والتقدم، بل عاجزا عن اقتفاء أثر الحياة نفسها.
وهل لا تعرف إيران أنها تضر نفسها بما تفعله أكثر مما تضر الآخرين؟
ماذا يمكن لثقب في سفينة أن يعني، بينما إيران ترزح تحت وطأة ثقب أسود يجمع الضلال بالظلمات، حتى عجزت عن توفير الماء والكهرباء؟
ضع ما تفعله إيران من أعمال صغيرة في ميزان ما تتعرض له من عزلة وعقوبات، وستعرف أنها، بخطاياها، تبدو كمن يطلق النار على نفسه.
السؤال الأهم هو، إذا اعتزمت أن ترتكب أعمال عدوان، وها أنت تعرف عاقبتها، وخشيت منها إلى حد النكران، فلماذا ترتكبها من الأساس؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة