لا يزال لبنان يعيش صدمة بعد عامٍ على انفجار مرفأ بيروت، الذي ترك حطاماً في نفوس اللبنانيين أكبر بكثير من حطام المباني في المدينة.
الدمار الحقيقي في لبنان لم يكن الانفجار نفسه، فثمة دمار آخر أدخل البلاد في نفق مظلم وجعلها على شفير هاوية حقيقية، وهو هيمنة إيران، من خلال ذراعها "حزب الله" الإرهابي، على مفاصل الدولة اللبنانية، وعلى القرار السيادي فيها لصالح الأجندة الإيرانية.
صحيح أن هناك أسبابا أخرى، مثل المحاصصة الطائفية والمحسوبية وتأثيرات دول خارجية، وانتشار الفساد، لكن هذا كله ليس إلا "أُذن الجمل" بينما الجمل بما حمَل هو "حزب الله" فقط لا غير.
عشية جلسة مجلس الأمن حول اعتداءات إيران على الناقلتين "ميرسر ستريت" و"أسفلت برنسيس" في الخليج العربي، أطلقت مليشيا "حزب الله" تسعة عشر صاروخاً على شمال إسرائيل، التي ردّت بدورها بغارات على لبنان هي الأولى من نوعها منذ نهاية حرب يوليو/تموز 2006.
هذا التصعيد من المليشيا الإيرانية، "حزب الله"، هدفه الأساسي تخفيف الضغط الدولي على إيران، التي تواجه أزمات داخلية وخارجية، وأيضا الابتزاز السياسي لصالح النظام الإيراني على حساب مصالح وأمن اللبنانيين، رغم معرفة "حزب الله" بضعف قوته أمام القوة العسكرية الإسرائيلية، ولكنه كالعادة يقامر بلبنان واللبنانيين ومستقبلهم وأمانهم لأجل مصلحة إيران العليا.
الحدث الأهم هنا هو ما فعله أهالي بلدة "شويا" عندما ألقوا القبض على مجموعة من مليشيا "حزب الله"، التي أطلقت الصواريخ على إسرائيل من وسط منازلهم، وقاموا بتسليمهم للجيش اللبناني.
لقد فعل أهل "شويا" ذلك خشية أن يأتي الرد الإسرائيلي على مصدر إطلاق الصواريخ، ما يعني تدمير منازلهم وإتلاف مصادر أرزاقهم المحدودة أصلا كحال غالبية اللبنانيين اليوم.
هذه الحادثة تعني أن روح المقاومة الحقيقيّة في لبنان هي لمقاومة سلوك "حزب الله" الإرهابي، فلا يزال هناك من المواطنين العاديين مَن يتصدى لإرهاب الحزب، ليس دفاعاً عن إسرائيل كما حاول أتباع الحزب تصوير ذلك، وإنما لقول "كفى"، فلم يعد الاستسلام خياراً أمام عبث الحزب من أجل إنقاذ إيران.
إذاً نحن أمام حالة وعي جمعي في مناطق نفوذ إيران ومليشياتها، فلم تعد قصة "المقاومة" و"الممانعة" تنطلي على أحد من أبناء الشعب اللبناني، ولم تعد كذبة مواجهة إسرائيل عذراً مقبولاً لشن الحروب.
لم تكن هذه هي المرة الأولى، فقد شهدت الدول، التي تعاني نفوذ مليشيات إيران، استفاقة شعبية في السنوات الأخيرة، كما حدث في العراق مثلاً، بل في داخل إيران نفسها، إذ خرجت مؤخراً احتجاجات شعبية مناهضة للنظام، فلم تعد الشعوب تحتمل مشروع الملالي الفاشل، مشروع الخراب والدمار والفرقة الطائفية.
إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان على إسرائيل يعني أنه لا وجود إلا لمرجعيّة واحدة تتحكّم في لبنان، هي "حزب الله"، فهو المسؤول الأول عن الفشل السياسي والإداري، الذي أغرق لبنان في واحدة من أسوأ ثلاث أزمات اقتصادية يعانيها بلد في العالم منذ قرن ونصف القرن.
الأزمة في لبنان يصنعها ويتبناها "حزب الله" ويحاول فرضها بتبعيته إيران، التي تستخدمه في حروبها بالوكالة، من لبنان إلى اليمن فسوريا والعراق.
معظم الشعب اللبناني يريد أن يعود بلده "جوهرة الشرق" كما كان نموذجاً للدولة الوطنية، التي تنبذ الطائفية وتدعم العيش المشترك وتنعم بالأمن والاستقرار، باستثناء مليشيا "حزب الله"، التي لا تزال تراهن على الاستقواء بالخارج واستخدام لبنان ساحة لحروب إيران ولخدمة أجندتها في المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة