تحتاج أفغانستان اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى دورٍ أممي مفقود في إخراجها مما آلت إليه أوضاعها.
هذا بالطبع باعتبارها قلب آسيا الوسطى المضطرب، ولوجودها عند مفترق طريق "الحرير"، وعند مفترق طرق بين روسيا والصين والهند وباكستان، فضلا عن تركيا وإيران.
فالأمم المتحدة لم تكن يوما الحاضر المؤثر في عمليات السلام حول العالم، رغم أن القوات، التي تنتسب إليها توجد في كل بؤرة صراع، لكن من المتعارف عليه دولياً أن الأدوار الرئيسية عادة ما توكل إلى كل من القوات الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية مباشرة، أو قوات الناتو، وبعض الأطر الإقليمية بحسب طبيعة كل نزاع مثل قوات الاتحاد الأفريقي وقوات دول غرب أفريقيا وغيرها.
لهذا الأمر علاقة وطيدة بتنازع الصلاحيات والمصالح بين القوى الكبرى والأقل منها تأثيراً على مستوى الإقليم، وهذا ما يحثنا على البحث في أسرار السيطرة المستجدة لـ"طالبان" على أفغانستان دون أدنى مقاومة من جيش أفغاني تم تسليحه بأفضل المعدات العسكرية الأمريكية، لنصل إلى تساؤل بارز حول دور قوى الإقليم في ذلك.
فإيران وتركيا تلعبان في ظل نزعة التوسع من جهة، وأحلام استعادة الإمبراطورية من جهة ثانية، وتندفعان إلى الاستفادة القصوى من تلكؤ الدول العظمى في حماية العالم من أفكار التطرف، فلا يمكن لـ"خامنئي" أن يظل حاكماً دينيا أعلى لإيران بلا نظام مشابه من حوله ولو صورياً، والحال نفسها للرئيس التركي الساعي إلى حلم التوسع.
إنها اللعبة الجديدة مع بداية العقد الثالث للألفية الثالثة، حيث تصبح تركيا وإيران في نظر الولايات المتحدة، وأوروبا الغارقة في فيضاناتها وركود اقتصاداتها، رعاة الربيع العربي المزعوم، دولتين مقبولتين بحكم الإخوان ونظام الملالي.
أفغانستان أيضا الآن تقف في قلب منطقة تنازع المصالح في آسيا، في المثلث بين روسيا والصين والهند، وكأننا نشعر بأننا عدنا بعقارب الزمن إلى الوراء، لا أكثر ولا أقل، في بحث محموم عن أدوات إقليمية جديدة، تمارس الأدوار القديمة نفسها، ولكن بقناع مختلف ربما، وبرعاية القوى نفسها التي بدأت خريف العرب من "الموصل".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة