الصحفيون في أفغانستان.. بين وعود طالبان وفُرص "الهروب"
يعيش الصحفيون الأفغان حالة ترقب منذ سيطرة طالبان على الحكم قبل أسبوع، فيما استغل بعضهم فرصة الهروب على متن طائرات الإجلاء من كابول.
فمن بين عشرات آلاف الأشخاص الذين يحاولون الهرب من أفغانستان بعد استحواذ طالبان على السلطة، خوفا من عمليات انتقامية، كان صحفيون في الصفوف الممتدة طلبا لفرصة إجلاء إلى إحدى الدول.
ورغم التطمينات، ينظر إلى عودة طالبان إلى السلطة على أنها ضربة خطيرة للمشهد الإعلامي الأفغاني، الذي شهد نموا كبيرا بعد الإطاحة بحكم الحركة عام 2001.
طفرة إعلامية
وشهد قطاع الإعلام في أفغانستان نموا ضخما بما في ذلك في الشبكات التلفزيونية والإذاعية الخاصة بموجب ترتيب دعمته الولايات المتحدة.
ولم يكن الأمر متعلقا بالأخبار وحدها، إذ تم إنتاج أفلام ومسلسلات وبرامج عرض المواهب والأغاني المصوّرة.
وأصبح لدى أفغانستان اليوم أكثر من 50 محطة تلفزيونية و165 محطة إذاعية وعشرات الصحف، وفق ما أفادت "منظمة مراسلون بلا حدود" الشهر الحالي، نقلا عن "اتحاد الصحافة الوطني".
واتسع نطاق استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا عبر الهواتف الذكية، في السنوات الأخيرة.
ولعل الأمر الذي كان لافتا أكثر من غيره هو أن انفتاح الإعلام الأفغاني فتح مساحة وفرصا للنساء اللواتي تم استبعادهن من الحياة العامة والتعليم وسوق العمل لعقود.
وعملت مئات النساء حول البلاد أمام أو خلف عدسات الكاميرات كصحفيات ومنتجات ومذيعات ومؤديات، كما عمل عشرات الصحفيين الأفغان في وسائل إعلام أجنبية.
تعهدات طالبان
بعد سقوط كابول، شدد مسؤولو طالبان الجدد على أنه يمكن لوسائل الإعلام مواصلة عملها بحرية؛ مؤكدين على أن الصحفيين لن يتعرضوا إلى الأذى أو المضايقة.
وعقد قادة حركة طالبان مؤتمرا صحفيا رسميا رد خلاله الناطق باسم الحركة ذبيح الله مجاهد على أسئلة اتسمت بالصراحة، حتى إن مسؤولا في الجماعة أجرى مقابلة تلفزيونية أدارتها صحفية، في خطوة اعتبرت أشبه برسالة في هذا الصدد.
لكن كما هو الحال فيما يتعلق بتعهّدات الحركة بشأن قضايا مثل حقوق المرأة والعفو، لا يبدو أن الصحفيين الأفغان يثقون كثيرا في أن قادة طالبان يعنون ما يقولون.
وفي الأسابيع الأخيرة، توقفت عشرات الشبكات التلفزيونية والإذاعية عن البث أو سيطرت عليها طالبان أثناء عملياتها العسكرية في زحفها على مختلف مناطق البلاد، قبل الوصول إلى كابول.
ورغم الوعود التي قطعها أبرز ناطق باسم الحركة، ذكرت تقارير أن مقاتلي طالبان يفتّشون منزلا تلو الآخر بحثا عن معارضيهم، بمن فيهم صحفيون.
وفي ولاية جوزجان الشمالية، أفادت إذاعة "سلام وطندار" يوم الإثنين بأنه سيسمح لها ببث محتواها بعدما جرت مراجعته في مكتب محلي لطالبان.
هروب جماعي
وأفادت صحفية في هيئة "آر تي إيه" الحكومية للبث الأسبوع الماضي بأنه طُلب منها المغادرة، نظرا إلى أن "النظام تغيّر"، وقالت شابنام داوران "حياتنا مهددة".
وتفيد تقارير بأن العديد من الصحفيين الأفغان تواروا عن الأنظار أو يحاولون مغادرة البلاد، على متن الرحلات المخصصة لعمليات الإجلاء من كابول.
وغادر العديد من العاملين لدى وسائل إعلام أجنبية، لكن الوضع صعب للغاية بالنسبة لأولئك الذين لا يتمتعون برعاية أجنبية.
وقال الصحفي الأفغاني المخضرم بلال سارواري، الذي غادر يوم الأحد، إن الوضع خرج عن السيطرة، مغردا على تويتر أن ما يحصل يعد بمثابة "مجزرة لأحلامي وتطلعاتي. إنه يوم مأساوي في حياتي".
لمَ الخوف؟
تقول وكالة "فرانس برس"، إن هناك أساسا قويا للخوف وانعدام الثقة في أوساط الصحفيين الأفغان؛ فرغم النمو الذي شهده القطاع، كان هذا البلد من بين أخطر دول العالم بالنسبة للعاملين بالمجال، إذ قتل 53 منهم على الأقل منذ العام 2001، بحسب لجنة حماية الصحفيين.
ولطالما استُهدف العاملون في مجال الإعلام من قبل جماعات مسلحة، وهو عامل رئيسي لعب دورا في تصنيف أفغانستان المتدني على مؤشرات حرية الإعلام.
ولم ينسَ الصحفيون الذين يسيطر عليهم الخوف أيام حكم طالبان (1996 حتى 2001)، حين حظروا التلفزيون والأفلام ومعظم أشكال الترفيه الأخرى، على اعتبارها غير أخلاقية، ومنعوا تداول بعض المنتجات الإلكترونية باعتبارها "غير إسلامية".
وواجه الأشخاص الذين ألقي القبض عليهم وهم يشاهدون التلفاز عقوبة، بما في ذلك تحطيم الجهاز، وكان من شأن امتلاك جهاز فيديو أن يعرّض صاحبه للجلد في مكان عام.
وفي إحدى المراحل، كانت الشرائط المغناطيسية من أشرطة الكاسيت التي تم تدميرها تشاهد وهي ترفرف من غصون الأشجار في بعض أجزاء العاصمة كابول.
ولم تكن هناك إلا محطة إذاعية واحدة هي "صوت الشريعة" التي كانت تبث برامج دعائية ودينية.