إعلام أفغانستان.. أبواب موصدة بانتظار مفتاح "طالبان"
أبواب إعلامية موصدة، وصحفيات يتملكهن الخوف وراء جدران منازلهن، وأثير إذاعي بلا موسيقى.. هكذا بات حال أهل صاحبة الجلالة في أفغانستان.
فما إن دخلت حركة طالبان مدينة هرات الأسبوع الماضي حتى بدأ عهد جديد لوسائل الإعلام بأفغانستان، في مؤشر على أن قادم الأيام لن يكون ورديا، لكنّ نشطاء الإعلام ينتظرون الرؤية الجديدة للحكام الجدد، على أمل أن تكون النظرة قد تغيرت بعد 20 عاما.
ومع تأكيد السلطات الجديدة على عدم معارضتها لعمل وسائل الإعلام وحرية الصحافة، إلا أن ذلك مشروط بتغيير البوصلة، حسبما يشير إليه ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حركة طالبان.
متحدث طالبان، قال في مقابلة مع موقع إيراني معارض إن الحركة لا تعارض "العمل الحر لوسائل الإعلام واستمرار الأنشطة الإعلامية"، لكنه لفت إلى دعوته الصحفّيين بإجراء تغييرات على المحتوى الذي يقدمونه، مشترطاً أن يكون "وفق الشريعة الإسلامية"، على حد تعبيره.
واليوم الثلاثاء، كشف مركز "ني" الراعي الإعلامي لحرية وسائل الإعلام الأفغانية، عن إغلاق 52 وسيلة إعلامية من بينها محطات تلفزيونية وإذاعية وصحف مطبوعة.
وذكر المركز في تقرير له اطلعت عليه مراسلة "العين الإخبارية"، أنه "مع سيطرة حركة طالبان الخميس الماضي على ولاية هرات الواقعة شمال غرب أفغانستان، وثالث أكبر مدينة في البلاد، تم إغلاق 20 محطة تلفزيونية و 22 إذاعية و10 منافذ إعلامية مطبوعة، وليس هناك أي احتمال واضح لاستئناف أنشطتها".
وأشار التقرير إلى أن حرية التعبير ونمو وسائل الإعلام، التي تعد أحد أعظم إنجازات أفغانستان في العقدين الماضيين، أصبحت في "خطر شديد" مع هيمنة جماعة طالبان على البلاد ووصولها إلى السلطة.
وتابع التقرير: "مع تقدم طالبان إلى قلب هرات يوم الخميس الماضي، توقف الإعلاميون المحليون عن العمل خوفًا من هجوم طالبان، وفي الوقت الحالي، لا توجد آفاق أمام وسائل الإعلام في الولاية لمواصلة أنشطتها، والمسؤولون الإعلاميون متشككون بشأن المستقبل".
الصحفيات إلى منازلهنّ
كما توقفت بعض النساء الناشطات في وسائل الإعلام عن العمل، ولجأ العديد من النشطاء والإعلاميين إلى الملاذات الآمنة، ليس فقط في هرات ولكن أيضًا في العاصمة كابول، وفقاً للتقرير، الذي اعترف أن "هناك بعض المنافذ الإعلامية لا تزال تعمل بحذر شديد في العاصمة".
أمام هذا الوضع "لجأت معظم النساء في وسائل الإعلام إلى منازلهن أو منازل أقاربهن، مفضلات التوقف عن العمل أو منعهن من حضور عمل المسؤولين الإعلاميين حتى يتضح الوضع في أفغانستان ويتم تحديد سياسات طالبان الإعلامية، حسب موقع "إيران واير" الإيراني.
وقالت "يغانه" وهو اسم مستعار لإحدى المذيعات التي تعيش الآن في هرات في منزل أحد أقاربها: "أخشى أن تطلق عليّ طالبان النار بمجرد الكشف عن هويتي".
وأضافت: "أعيش الآن في منزل أحد أقاربي، وقد جعلت تجربتي في العمل الإعلامي حياتي أكثر صعوبة في ظل إمارة طالبان الإسلامية".
وفي مقابلة مع "إيران واير" قالت الصحفية الأفغانية: "إنها تعتقد أنه لم يكن هناك تغيير إيجابي في دعم طالبان لحقوق المرأة، وأنهم لا يزالون نفس المجموعة الأصولية التي تحدد عمل المرأة في المنزل".
واستطردت: "أنا سعيدة للغاية. كنت أذهب إلى التلفزيون كل يوم، لكنني الآن في المنزل منذ مجيء طالبان، وهذا أمر مؤلم للغاية بالنسبة لي. لماذا نحن النساء الأفغانيات بائسات لدرجة أن جماعة إسلامية تفرض قيودًا علينا؟ أعلم جيدًا أنه لن يُسمح لي بالظهور على شاشات التلفزيون مرة أخرى في ظل حكم طالبان، وأن طالبان تدمر حياتي المهنية".
في المقابل، قال أحمد الله وثيق، المدير الثقافي لحركة طالبان في ولاية هرات: "إنه لم يتم اتخاذ أي قرار بشأن نشاط المرأة في وسائل الإعلام"، مشدداً على أن الإعلام لا يجب أن يبث الأفلام "المبتذلة" ولا الموسيقى.
ويُقصد بـ"الأفلام المبتذلة"، حسب تعبير العضو الثقافي المنتمي إلى طالبان "كشف أجزاء من أجساد النساء على شاشات التلفزيون".
لكنّ إرادة "طالبان" في تغيير المحتوى الإعلامي ليست التحدي الوحيد للصحافة، فقد ذكر الموقع نفسه، في تقرير له اليوم، أن اضطراب أوضاع البنوك جعل من الصعب على مديري وسائل الإعلام دفع رواتب موظفيهم، واضطرت بعض المؤسسات الكبرى إلى إغلاق بعض الإدارات.
وهو ما تحدث عنه "مقصود أحراري" أحد أبرز رجال الإعلام في أفغانستان، خلال العقدين الأخيرين، ومسؤول "قناة آسيا"، خلال خمس سنوات، في مقابلة مع الموقع الإيراني المعارض، بوقفه "النشاط الإعلامي إلى أجل غير مسمى خوفًا من هجوم طالبان، وكذلك خوفًا من نهب معدات الشبكة".
وبحسب مقصود أحراري "فإنه لن يطلق وسائل إعلامه حتى يتأكد من طالبان على سلامته وطاقمه الإعلامي".
ومع سيطرة طالبان على جغرافية أفغانستان، لا يتوقع أحراري "إقامة أي نشاط إعلامي حر"، لكنه مع ذلك يحث الحركة على "احترام حرية وسائل الإعلام، لأنه من مصلحة الحكم الشفاف والشعب"، حسب تعبيره.
ويصف الوضع الجديد الحذر بالقول: "ما زلنا لا نثق بهم، وأعتقد أن أفضل ما يجب فعله هو التوقف عن النشر، لقد كنا دائمًا وسنظل محايدين طوال أنشطة النشر الخاصة بنا. طلبنا من طالبان السماح لنا بالعمل بحرية".
لا موسيقى في العهد الجديد
خلال نظام طالبان في النصف الثاني من التسعينيات، تم إغلاق محطات التلفزيون، باستثناء محطة إذاعية تسمى "صوت الشريعة" التي كانت تعمل على نشر آراء الحركة، وبث الدروس الدينية، فقط.
وفي السنوات العشرين الماضية منذ سقوط حكومة طالبان، كان نمو الإعلام الحر من أهم إنجازات المجتمع الأفغاني، خاصة التواجد القوي للمرأة في وسائل الإعلام، وكسر حاجز نشر صورهن، وبث موسيقى ورقص، فيما ترى طالبان أن كل هذه البرامج "غير إسلامية" و"غير شرعية".
وقال عبد الله سلجوقي هو العضو المنتدب لإذاعة وتلفزيون معراج في ولاية هرات: "تعارض الحركة بشدة إصدار الموسيقى وكذلك البرامج".
وأضاف: "ننتظر توضيح سياسة طالبان تجاه الإعلام، هل هناك أي رقة مقارنة بالنظام السابق أم لا".
وفي إشارة إلى وجود زميلات في وسائل الإعلام، أوضح سلجوقي أنه "لم يجر نقاش حول أنشطة المرأة في وسائل الإعلام حتى الآن، وأنه يتعين على طالبان اتخاذ موقف من هذه القضية حتى تتمكن الصحفيات من العودة إلى العمل الإعلامي".
من جهة أخرى، حث رئيس منظمة أفغانستان الإعلامية حامد مؤمن، حركة طالبان على السماح لوسائل الإعلام بالعمل بحرية، وقال إن "جميع وسائل الإعلام في غرب أفغانستان توقفت عن العمل وتنتظر من طالبان نشر سياستها الإعلامية".
ولفت إلى أنه بعد الإعلان عن سياسة طالبان وبالتشاور مع المجتمع الإعلامي، فإنهم سيقررون ما إذا كانوا سيتحركون أم لا.
ومع استعادة طالبان السيطرة على أفغانستان بعد عقدين من الزمان، أصبح النشطاء والصحفيون أكثر قلقًا من أي شخص آخر. لأن لديهم ثقة قليلة في الحصول على ترخيص للعمل في وسائل الإعلام الحرة.
ويطالب العديد من الإعلاميين في أفغانستان المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان ودعاة الإعلام بالضغط على طالبان حتى تتمكن وسائل الإعلام من العمل بحرية وعدم فرض قيود عليها.
aXA6IDMuMTQ5LjI5Ljk4IA== جزيرة ام اند امز