الفساد بأفغانستان "صنع في أمريكا"
رفع الخروج الأمريكي من أفغانستان، الغطاء عن معاناة المدنيين مع المسؤولين الحكوميين في بلادهم القائم على الابتزاز ودفع الرشى.
تقرير لمجلة "فورين أفيرز" الأمريكية ركز مؤخرا على أسباب استشراء الفساد في أفغانستان، قائلا إن قوات الشرطة التي من المفترض أن تلتزم بالقانون كانوا أول من يخالفه.
وأوضح التقرير أن المسؤولين الأفغان - الشرطة والموظفين - "لم يبتزوا الناس بأدب ولم يدفع الأفغان المال فحسب؛ بل دفعوا أيضًا سلعة أكثر قيمة بكثير: وهي كرامتهم".
وفي أعقاب انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وسيطرة طالبان السريعة على البلاد، والنزوح الدموي الفوضوي الذي أعقب ذلك، أعرب المسؤولون الأمريكيون عن أسفهم لإخفاق الجيش الأفغاني في القتال.
هنا طرحت المجلة سؤالا مباغتا: "كيف توقع الأمريكيون أن يستمر الأفغان في المخاطرة بحياتهم نيابة عن حكومة أساءت إليهم - بإذن من واشنطن - لعقود؟".
وأزاحت "فورين أفيرز" الستار عن حقيقة أخرى أعمق ينبغي فهمها، تتمثل في أن الكارثة في أفغانستان - وتواطؤ الولايات المتحدة في السماح للفساد بشل الدولة الأفغانية وجعلها مكروهة لشعبها – لا تتمثل فقط في فشل السياسة الخارجية الأمريكية، بل هي مرآة تعكس نسخة أكثر وضوحا من نوع الفساد الذي طالما قوض ديمقراطية واشنطن أيضًا.
وقال التقرير: "لم يكن الفساد في أفغانستان التي تحتلها الولايات المتحدة مجرد مسألة ابتزازات مستمرة على مستوى الشارع.. لقد كان نظامًا".
وأضاف: "لم يتمكن أي من رجال الشرطة أو الجمارك من وضع كل مكاسبهم غير المشروعة في جيوبهم.. تدفق بعض هذه الأموال في شكل قطرات لتشكل في النهاية نهرًا هائلاً من النقد".
ووفقا لمسحين تم إجراؤهما في عام 2010 وصل إجمالي المبالغ المدفوعة كرشاوى كل عام في أفغانستان ما بين 2 إلى 5 مليارات دولار - وهو مبلغ يساوي 13 بالمائة على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وبحسب المجلة الأمريكية فإن الشبكات التي أدارت أفغانستان كانت مرنة وديناميكية، تدعمها وتعزز التحالفات.
وغالبًا ما كانت هذه الشبكات تعمل مثل الشركات العائلية المتنوعة: سيحصل ابن شقيق حاكم المقاطعة على عقد إعادة إعمار كبير، وسيحصل ابن صهر الحاكم على وظيفة مترجم للمسؤولين الأمريكيين، وسيقود ابن عم الحاكم السيارة التي تحمل شحنات الأفيون إلى الحدود الإيرانية.. كان الثلاثة جميعًا جزءًا من نفس المشروع في النهاية.
وبدا واضحا من الصعب على الغرب فهم أسباب القصور المستمر في القدرات بمؤسسات الحكم الأفغانية، لكن الشبكات المتطورة التي تتحكم في تلك المؤسسات لم تكن تهدف إلى الحكم.
كان الهدف الرئيسي للشبكات في أفغانستان هو إثراء الذات، وفي هذه المهمة "أثبتوا نجاحهم بشكل مذهل"، وفقا للتقرير.
ويرى تقرير مجلة فورين أفيرز الأمريكية أن الأخطاء التي مكّنت هذا النوع من الحكومة من ترسيخ أقدامها تعود إلى بداية التدخل الذي قادته واشنطن، عندما قامت القوات الأمريكية بتسليح مليشيات خرقاء تعمل بالوكالة للعمل كقوات برية في القتال ضد طالبان.
تلقت المليشيات المدعومة أمريكيا بزات قتالية جديدة أنيقة وبنادق آلية لكن دون تدريب أو إشراف، ولم تكن صور الأسابيع الأخيرة، التي أرعبت العالم عندما حمل مقاتلو طالبان الهراوات ضد الحشود اليائسة في مطار كابول غير بعيدة عن الأذهان.
ففي صيف 2002، حدثت مشاهد مماثلة، عندما أقامت المليشيات المدعومة من الولايات المتحدة نقاط تفتيش حول قندهار وضربت الأفغان العاديين الذين رفضوا دفع رشاوى.
وتذوق سائقو الشاحنات والعائلات الذين كانوا في طريقهم إلى حفلات الزفاف، وحتى الأطفال على الدراجات "طعم تلك الهراوات".
وبمرور الوقت، اكتشف ضباط المخابرات العسكرية الأمريكية كيفية رسم خرائط الشبكات الاجتماعية لقادة طالبان الصغار، لكنهم لم يستكشفوا أبدًا الروابط بين المسؤولين المحليين ورؤساء شركات البناء أو الخدمات اللوجستية التي تقدمت بالمناقصة على العقود الممولة من الولايات المتحدة.
وتابع التقرير: "لم يكن أحد يقارن الجودة الفعلية للمواد الخام المستخدمة مع ما تم تحديده في الميزانية، ولم يكن لدينا نحن الأمريكيين أي فكرة عمن نتعامل معه".
من ناحية أخرى، عزز المسؤولون المدنيون والعسكريون الغربيون مكانة المسؤولين الأفغان الفاسدين من خلال الشراكة معهم بتباهٍ ودون قيد أو شرط.
واختتمت المجلة الأمريكية تقريرها: "وقف الغرب إلى جانب المسؤولون الأفغان عند افتتاح المشروعات واستشاروهم بشأن التكتيكات العسكرية.. يمكن لهؤلاء المسؤولين الأفغان أن يهددوا بعد ذلك بمصداقية بإلغاء غارة أمريكية أو غارة جوية على أي شخص يخرج عن الخط".