نيجيريا بلد النفط والفقر .. تنوع تهدده الصراعات
الواقع القبلي والعرقي والديني المُعقد في نيجيريا يوفر منصة وأرضية لتغذية الصراعات في المجتمع المليء بالتناقضات والمفارقات
تعد نيجيريا أضخم اقتصاد في أفريقيا وأكبر تعداد سكاني، وأعلى احتياطي نفطي في القارة السمراء، وتجتمع فيها هذه المميزات جنباً إلى جنب مع صراعات مذهبية وعرقية وتهديدات للجماعات الإرهابية.
ويحتفظ المجتمع في نيجيريا بتركيبة سكانية متعددة ومعقدة تشكل فيها القبيلة الوحدة الأساسية مع تعدد لغوي وثقافي كبير، إذ تتعايش نحو 250 مجموعة قبلية في أجواء سياسية مشحونة وتحديات أمنية واقتصادية بالغة التعقيد.
ورغم مرور نحو 60 عاما على استقلالها (1960)، لا تزال نيجيريا تعاني مشكلات اقتصادية عديدة باقية من زمن الاستعمار، وعلى رأسها الفقر الناجم عن عدم الاستثمار الأمثل لثروات الدولة.
وخاضت نيجيريا انتخابات رئاسية تنافس فيها 73 مرشحاً، فاز بها الرئيس المنتهية ولايته والجنرال المتقاعد محمد (محمدو) بخاري (76 سنة)، مع منافسة قوية من زعيم المعارضة ورجل الأعمال الثري عتيق (عتيقو) أبوبكر (72 سنة).
وأعلنت اللجنة المسؤولة عن الانتخابات، الأربعاء، فوز بخاري برئاسة جمهورية نيجيريا الاتحادية، ليتولى زمام السلطة التنفيذية في آخر دوراته.
نظام الحكم
يحصل الرئيس في نيجيريا على فترتين رئاسيتين كحد أقصى، مدة كل واحدة منها 4 سنوات، فيما ترتكز السلطة التشريعية بيد الجمعية الوطنية (البرلمان) المكونة من مجلسي الشيوخ (109 مقاعد) والنواب (360 مقعدًا).
وتعتبر الجمعية الوطنية هي السلطة المخولة بفحص سلطة الرئيس المنتخب.
ونظام الانتخابات الرئاسية في نيجيريا لا يخلو من المفارقات، فهو ديمقراطي، إلا أن الرئيس المنتخب يأتي ضمن مساومات غير رسمية بين السياسيين من الشمال والجنوب، وتستند تلك المساومات على خلفيات مناطقية ودينية وعرقية.
نفوذ القبيلة والدين في معادلات السياسة
للقبيلة سطوة ونفوذ في المعادلات السياسية والأمنية بنيجيريا التي تضم مجموعات قبلية وسكانية كثيرة، من أبرزها: الهَوسا (أكثر من 55.6 مليون نسمة) واليوروبا (أكثر بقليل من 41.6 مليون نسمة) والإيغبو -أو الإيبو- (نحو 32 مليون نسمة) والفولاني (في نيجيريا وحدها أكثر من 15.3 مليون، ومجموعها في دول جنوب الصحراء يقارب الـ40 مليون نسمة).
هذه الشعوب (القبائل) الأربعة تشكل وحدها أكثر من 70% من إجمالي تعداد السكان (البالغ نحو 190 مليون نسمة)، ولذلك تُلقي العلاقات والتجاذبات بين هذه القبائل بظلال مؤثرة على تفاصيل المشهد السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد.
والإنجليزية هي اللغة الرسمية في نيجيريا بتأثير الاستعمار البريطاني، إلا أن السكان يتحدثون حوالي 500 لغة محلية، أكثرها انتشارا بعد الإنجليزية هي: "الهوسا" و"الفولاني" و"الإيبو".
وتمتلك نيجيريا ثامن أكبر احتياطي للنفط الخام في العالم، وتاسع أكبر احتياطي للغاز الطبيعي، حيث يبلغ احتياطي النفط الخام المثبت لديها، وفقا لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، 37 مليار برميل، واحتياطي الغاز الطبيعي حوالي 5.2 تريليونات متر مكعب.
غير أن هذا البلد الثري يمر بأسوأ أزمة اقتصادية في ظل حكم الرئيس بخاري، إذ عجز الرجل عن تنويع مصادر الدخل في البلاد التي تعتمد بنسبة 90% على النفط، كما أن نسبة النمو العام الماضي لم تتجاوز 1.9% فقط.
وتحفل الدولة الثرية بتناقضات لا حصر لها على كل الأصعدة في مجال الصحة، فهي من أكبر المصادر البشرية للقطاع الصحي في أفريقيا، وفي الوقت ذاته تعتبر من الدول التي تضعها منظمة الصحة العالمية في قائمة "المتأزمة صحياً"، بسبب هجرة الأطباء والكوادر في هذا المجال إلى الخارج، وتفتقر المناطق النائية في البلاد إلى المرافق الصحية اللازمة.
فيما يرتفع عدد الفقراء والجوعى في نيجيريا، ويزداد عدد الأثرياء في هذه الدولة الأفريقية بشكل كبير.
فوفقاً لمجلة "فوربس" الأمريكية والمعنية بالشؤون الاقتصادية فإن أغنى رجل في أفريقيا هو النيجيري، أليكو دانغوته، وتقدر ثروته بحوالي 18.2 مليار دولار.
وهو واحد من بين 15.400 ثري في نيجيريا، وفي الوقت ذاته أغلب اللاجئين إلى أوروبا هروباً من الفقر هم من نيجيريا.
تاريخ حافل بالصراعات
ولنيجيريا تاريخ حافل من الصراعات والحروب بين مكوّناتها العِرقية، ما جعل البلد معرضاً للتقسيم، وتمثّل ذلك في إعلان دولة (إيبو) جمهورية بمنطقة (يافرا) في وسط وجنوب نيجيريا، في أيام حرب (يافرا) التي استمرت ما بين 1967 و1970م، قبل أن تتمكن القوات العسكرية من ضبط المنطقة واسترجاعها.
ويوفر الواقع القبلي والعرقي والديني المُعقد في هذا البلد منصة وأرضية لتغذية الصراعات في المجتمع النيجيري.
وتتوزع الأعراق الرئيسية بنيجيريا في الشمال ذي الأغلبية المسلمة، حيث تتواجد قبائل الهوسا والفولاني، وفي الشرق والجنوب الشرقي قبائل الأيبو، والجنوب والجنوب الغربي ذي الأغلبية المسيحية تتركز قبائل اليوروبا.
حرب يافرا و"بوكو حرام"
من أخطر الأزمات التي شهدتها نيجيريا اندلاع الحرب الأهلية، أو ما عُرف بحرب يافرا عام 1967م، وما تلاها من أزمات؛ كأزمة (دلتا النيجر) التي انفجرت بصراعٍ حول استغلال الخيرات النفطية التي تختزنها هذه المنطقة.
ولم تتوقف أزمات نيجيريا السياسية عند هذا الحدّ، بل زادت بتنامي قوة بعض الجماعات الإرهابية؛ كجماعة (بوكوحرام) التي دخلت في مواجهات عنيفة مع السلطة في البلاد.
وخلفت الصراعات أوضاعا إنسانية مأساوية بالغة التعقيد، إذ شهد عام 2018 نزوح أكثر من 214 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال في الشمال الشرقي من البلاد، بمتوسط أسبوعي بلغ 4500 شخص.
وتنشط جماعة "بوكو حرام" الإرهابية المسلحة منذ 2002 في نيجيريا، ويتمركز نشاطها في شمال شرقي البلاد وتمتد عملياتها إلى مختلف المدن علاوة على دول الجوار.
وتشن هجمات مستمرة ضد المدنيين من خلال التوغلات المستمرة والهجمات الانتحارية، وفي مارس/آذار 2015، أعلنت الجماعة ارتباطها بتنظيم "داعش" الإرهابي.
كما تقوم "حركة تحرير دلتا النيجر"، التي تعد من أبرز الجماعات المسلحة، بمقاومة مسلحة ضد ما يعتبرونه اضطهاد واستغلال شعب منطقة دلتا النيجر، والمشاكل البيئية الناتجة عن قيام الشركات الأجنبية بالتنقيب واستخراج النفط من المنطقة.
ثروات هائلة
ولنيجيريا ثروات طبيعية متعددة تتوزع على جميع أقاليم وجهات البلاد، إلى جانب احتياطي هائل من الغاز الطبيعي هو الأكبر في القارة الأفريقية، وتحتل المرتبة الثانية عشرة عالمياً لإنتاج الغاز.
كما توجد في هضبة جوس بأواسط نيجيريا مناجم مهمة للقصدير، والكولمبيت(خام معدني)، وتشمل الموارد الطبيعية الأخرى المهمة في العملاق الأفريقي، الذهب والفحم الحجري، وخام الحديد والرصاص، والحجر الجيري، والزنك.
وتعد نيجيريا من أهم الدول المنتجة للفول السوداني في العالم، كما تحتل المرتبة الثامنة عالمياً في إنتاج الخشب لما تمتلكه من غابات واسعة.
وتعتبر الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة في أفريقيا جنوب الصحراء، وهي خامس أكبر مصدر للنفط إلى الولايات المتحدة.
وتقف نيجيريا بكل هذا الثراء المادي والبشري علي أرضية هشة، حيث تحاصرها الأزمات والتحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية من كل جانب، وتتطلع الشعوب المُحبة للسلام والاستقرار في القارة السمراء أن تعبر الدولة الأفريقية الأكبر عبر بوابة الانتخابات الحالية إلى مربع السلام والاستقرار التنمية.
aXA6IDE4LjExNi44NS4xMDgg جزيرة ام اند امز