عند استطراد ومتابعة خريطة العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب، نجد أنه كلما زاد الضغط عليهم في منطقة هربوا بعملياتهم إلى منطقة أخرى.
يقترب الفصل الأخير لتنظيم "داعش" في سوريا والعراق من نهايته، وتتوالى الأخبار عن خسائر جيوبه شرقي الفرات في منطقة الباغوز على يد قوات سوريا الديمقراطية، وبدعم جوي من التحالف الدولي. ولكن هزيمة "داعش" في سوريا لن تسدل الستار عن الحرب على الإرهاب، فهناك مناطق جغرافية أخرى ينشط فيها تنظيم القاعدة وتوابعه كما ينشط فيها "داعش" وتابعوه أيضاً.
إن انتهاء الوهم الداعشي على الأراضي السورية والعراقية حَدَا بمن تبقى من أتباعه إلى توجيه بوصلتهم نحو أفريقيا، ساحة الظل البعيدة عن ضوء الأحداث في الشرق الأوسط. وقد فرّخ الإرهابيون في العقدين الأخيرين عدداً من التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة في أفريقيا
عند استطراد ومتابعة خريطة العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب نجد أنه كلما زاد الضغط على الإرهابيين في منطقة هربوا بعملياتهم إلى منطقة أخرى؛ فمنذ بدء العمليات العسكرية ضد القاعدة في أفغانستان أعقاب أحداث ١١ سبتمبر، نشط الإرهابيون في مناطق أخرى كالعراق وهناك بذر أبومصعب الزرقاوي بذرة "داعش" الأولى. كما شكلت الأحداث التي تبعت سقوط نظام صدام حسين ومن ثم الفوضى التي خلفها الربيع العربي من حالات فراغ سياسي وأمني في الشرق الأوسط مغناطيساً لكل من تنظيم داعش والقاعدة في العقد الأخير.
وبدأ الإرهاب في تلك الأثناء بتحضير مسرح جديد ليكون المستقبل المقبل لعملياته، وبسبب الأهمية الجغرافية لهذه المنطقة في العالم، فقد كان من المهم تسليط الضوء على جهود مكافحة الإرهاب فيها.
إن انتهاء الوهم الداعشي على الأراضي السورية والعراقية حَدَا بمن تبقى من أتباعه إلى توجيه بوصلتهم نحو أفريقيا، ساحة الظل البعيدة عن ضوء الأحداث في الشرق الأوسط. وقد فرّخ الإرهابيون في العقدين الأخيرين عدداً من التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة في أفريقيا وكان ولا يزال أهمها: حركة الشباب الصومالية الموالية للقاعدة، وجماعة بوكو حرام التابعة "نظرياً" لتنظيم داعش، وفرع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.
ومع سقوط نظام معمر القذافي ودخول ليبيا الغنية بمواردها في حالة الفراغ السياسي، وصعود تنظيمات متطرفة مدعومة بالسلاح من تركيا وبتمويل من الدوحة، تنفس الإرهابيون الصعداء ووجدوا لهم موطأ قدم ثابتا في القارة السمراء وفرصاً جديدة للتجنيد والتمويل والتخريب.
ويمكن تقسيم الساحة الأفريقية إلى ثلاثة قطاعات: القرن الأفريقي، منطقة الساحل والصحراء الكُبرى؛ ففي القرن الأفريقي تنشط حركة الشباب الصومالية، وقد ارتفعت وتيرة هجماتها في الأشهر الماضية كهجوم نيروبي يناير ٢٠١٩، وهجومين على فندق في مقديشو مطلع مارس ٢٠١٩ الذي تواردت أنباء عن مقتل ما يقرب من ٣٠ شخصاً، بالإضافة إلى احتجاز عدد من الرهائن المدنيين.
هذه الوتيرة المرتفعة من الهجمات حدت بالقوات الأمريكية لبدء عملياتها الجوية ضد الحركة وقتلت ٢٦ من عناصر "الشباب" في غارتها الجوية يوم الثاني من مارس ٢٠١٩.
أما بالنسبة للصحراء الكبرى والساحل الأفريقي فإن العمليات الأخيرة التي نفذها الجيش الليبي وسيطرته على الجنوب ستدفع فلول الهاربين من الإرهابين إلى التوجه إلى دول مجاورة ومناطق رخوة وإقامة تحالفات مع القبائل المحلية لإعادة استئناف أنشطتها، وهنا لا بد من الإشارة إلى الدور العسكري الفرنسي في مكافحة الإرهاب في منطقتي الساحل والصحراء الكبرى، وخصوصاً بعد الأزمة في مالي ٢٠١٣، مع العلم بأن فرنسا لا تبذل الجهود بشكل فردي هنا ولكنها تتصدر المشهد الدولي في مكافحة الإرهاب في تلك المنطقة.
والسؤال المطروح هو: لماذا تختلف قواعد المشهد في أفريقيا عن الشرق الأوسط؟!
لا شك أن مصالح الدول الغربية في الشرق الأوسط الغني بثرواته الطبيعية وموارده النفطية وموقعه الجغرافي أهم بكثير من القارة السمراء الفقيرة، ولهذا لا تكون الولايات المتحدة رأس الحربة في تلك المنطقة، كما أنها لا ترى من المليشيات الجهادية في أفريقيا خطراً وتهديداً مباشراً لها، وعليه فهي تفوض هذا الدور للدول الأوروبية كفرنسا وإسبانيا. وهذا الدور الدولي المختلف يضع قواعد جديدة للحرب القادمة على الإرهاب في أفريقيا، وحتى ذلك الحين فإن التنظيمات الإرهابية تعيد ترتيب أوراقها في الظل، وربما تعمل على إرسال خلاياها السرية إلى العالم منطلقة من أفريقيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة