"انقلابات" الضباط الشباب بأفريقيا.. طموح فردي أم إملاء خارجي؟
في 8 أشهر فقط تغيّر الحكم بأربع دول أفريقية، وتولى السلطة قادة عسكريون شباب من مواليد الثمانينيات جميعا، في ظاهرة جديدة بالقارة السمراء.
ففي أفريقيا التي شهدت أكثر من 200 انقلاب بعد استقلالها عن المستعمرات الأوروبية في خمسينيات القرن الماضي، جرت العادة أن يتولى السلطة قادة من الصف الأول، وتكرر أن استلم السلطة من رئيس الدولة قائد الأركان.
وكان مصير أغلب المحاولات التي يقودها الضباط من غير الصف الأول -بحسب مراقبين- الفشل، وانتشرت العبارة الشهيرة، أن قائد الانقلاب الناجح يكون "ثوريا"، أما صاحب المحاولة الفاشلة فهو "خائن" مصيره المحاكمة والإعدام والسجن الطويل في أحسن الأحوال.
فما الذي تغير في أفريقيا، وتحديدا في الدول الأربع تشاد، ومالي، وغينيا كوناكري، وبوركينا فاسو، التي تغيرت بها السلطة الحاكمة، على يد ضباط شباب بالكاد يتجاوزون الأربعين سنة؟
يربط المراقبون للشأن الأفريقي بين الظاهرة الجديدة، وصراع دولي محتدم بين القوى الدولية على أفريقيا، فمصالح بعض الدول الغربية تتطلب أن يتولى السلطة موالٍ لهذه العاصمة أو تلك، والطريق السريع لذلك هو انقلاب من عسكري نافذ داخل مؤسسة الجيش.
ويرى محللون في تصريحات سابقة لـ"العين الإخبارية"، أن أفريقيا في الفترة الأخيرة أضحت بؤرة الانقلابات العسكرية، بفعل مؤثرات خارجية، تؤجّج فواعل الاحتقان الداخلي، وتشجع القادة العسكريّين الشباب على اتخاذ خطوة تغيير السلطة، دون أن يقف شيء في طريقهم.
مالي
لم يكن قرار العقيد أسيمي جويتا قيادة انقلابين على السلطة في فترة وجيزة، من قبيل المصادفة، فالضابط الشاب، من الجنود الشباب في الجيش المالي، وعمره لا يتعدى 38 عاماً، لكن المعلومات الدقيقة عن مساره العسكري شحيحة، إلا ما تيسر من هنا أو تسرب من هناك.
وغداة قيادته الانقلاب العسكري على حكم الرئيس الأسبق إبراهيم أبوبكر كايتا في أغسطس/آب 2020، كشفت وزارة الدفاع الأمريكية عن أن الضابط جويتا تلقى تدريباً في الولايات المتحدة دون أن تحدد فترة التدريب.
كما تحدث البنتاجون عن مشاركة قائد الانقلاب العسكري في عمليات عسكرية مشتركة مع القوات الخاصة الأمريكية لمحاربة الجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا باسم "فلينتوك"، وقبلها تلقى تكويناً عسكرياً في فرنسا وألمانيا.
وسجل العميد جويتا اسمه في 25 مايو/أيار 2021 كـ"أول عسكري يقود انقلابين عسكريين اثنين متتاليين في العالم"، في خطوة لم تغب عنها معادلات الصراع الدولي بأفريقيا، خصوصا مع تزايد النفوذ الروسي، مقابل تراجع فرنسي واضح، ونفض باريس يدها أو تكاد من دولة مالي.
غينيا كوناكري
لكن فرنسا وإن كسبت روسيا ضدها جولة في مالي، اتجهت نحو غينيا كوناكري، وبعد خلاف مع الرئيس ألفا كوندي، كان الضابط مامادي دومبويا الذي درس وعمل بفرنسا لسنوات، على موعد في الخامس من سبتمبر/أيلول الماضي، على موعد مع التاريخ في هذا البلد الأفريقي، ليطلّ على الشعب الغيني عبر الإذاعة والتلفزيون الحكومي، ليعلن اعتقال كوندي، وحلّ المؤسسات، وتعطيل الدستور.
وبدا أن الأسباب المعلنة، التي برر بها الضابط الشاب وزملاؤه في "اللجنة الوطنية للمصالحة والتنمية"، مألوفة وهي "الوضع السياسي الرهيب، وانتهاك مبادئ الديمقراطية، واستقلال القضاء، وتسييس الإدارة العمومية، وتدهور الوضع المعيشي، والحريات العامة".
والعقيد دومبويا من مواليد مارس/آذار عام 1980، وينتمي إلى إقليم كانكان، شرقي غينيا، والتحق بالجيش الغيني في نهاية التسعينيات، ثم انتقل إلى فرنسا متدربا في المدرسة الحربية هناك، ومنها حصل على دبلوم في الدراسات العسكرية العليا.
وانضم الضابط الغيني إلى الفيلق الأجنبي التابع لفرنسا، ومُنح رتبة عريف، ولم يعد إلى بلاده إلا في عام 2012، برغبة من الرئيس ألفا كوندي، الذي كان يحضره لقيادة مجموعة نخبة القوات الخاصة، المعروفة بـ"جي بي إس"، ومنها قاد الانقلاب على الرئيس العام الماضي.
بوركينا فاسو
أحدث انقلابات الشباب في أفريقيا، حدث في بوركينا فاسو، وقاده العقيد الشاب بول هنري سانداوغو داميبا، الذي وضع نهاية لحكم الرئيس البوركينابي روش مارك كريستيان كابوري، وعلّق ضمن زملائه الحكام الجدد الدستور وحلّ الحكومة والبرلمان، ضمن إجراءات أخرى شملت إغلاق الحدود البرية والبحرية حتى إشعار آخر، واعتقال الرئيس ورئيس وزرائه.
ولم يتضح حتى الآن أي انتماء خارجي للعقيد الشاب، غير أنه نشط في مكافحة الإرهاب في الساحل، المدعوم من قوى دولية وإقليمية، وهو من مواليد يناير/كانون الثاني عام 1981، وعلى غرار أقرانه في الدول الأفريقية، أكمل تعليمه في بلاده، ثم غادر إلى فرنسا، وتخرج في المدرسة العسكرية في باريس.
وهو حاصل على درجة الماجستير في علم الإجرام من أحد معاهد باريس، ونال شهادة خبير دفاعي في الإدارة والقيادة والإستراتيجية، قبل أن يعود إلى بوركينا فاسو كأحد الضباط الذين يشار إليهم بالبنان، في المؤسسة العسكرية.
بزغ نجمه حين انضم إلى الحرس الرئاسي، إلى جانب الرئيس الأسبق لبوركينا فاسو، بليز كومباوري، قبل أن يرتقي إلى قائد للمنطقة العسكرية الثالثة التي تغطي العاصمة البوركينابية واجادوجو، وتحارب الإرهاب في المنطقة الشرقية من البلاد.
تشاد
قد تختلف ظروف تشاد عن الدول السابقة، في أن الجنرال الشاب محمد إدريس ديبي الذي يتولى السلطة حاليا في البلاد، لم يقد انقلابا على والده الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي، الذي قتل على جبهات القتال مع متمردين ضد حكمه.
لكن محمد ديبي يشترك مع أقرانه في حداثة سنه، حيث ولد عام 1983، حين كان والده مستشارا للرئيس التشادي الأسبق حسين حبري، قبل أن يدب الخلاف بين الرجلين، وينتهي بسيطرة ديبي الأب على الحكم عام 1990.
وتدرج محمد ديبي في المناصب العسكرية، حيث التحق مبكرا بالتجمع المشترك للمدارس العسكرية في تشاد، ثم سافر إلى فرنسا لتلقي دورات عسكرية في المدرسة العسكرية هناك بـ"إيكس إن بروفانس".
وبعد أن عاد من فرنسا التحق ديبي الابن المعروف بـ"محمد كاكا" بمدرسة الضباط الداخلية في تشاد، وفور التخرج عين في فرع القوات الخاصة المعروفة بـ(SERS)، وفي عام 2006 وعمره حينها لا يتجاوز 23 عاما خاض أولى تجاربه القتالية بالميدان، وتصدى لمتمردي المعارضة في هجومهم على القصر الرئاسي.
aXA6IDMuMTM4LjEyNC4yOCA= جزيرة ام اند امز