تتنوع ثقافات وتراث شعوب القارة الأفريقية، التي تعتبر متاحف مفتوحة لمن يبحث عن أنثروبولوجيا الإنسان الأفريقي ومرجعياته التاريخية والثقافية المتعددة.
وعلى الرغم من العرقيات الكثيفة التي تضمها دول القارة، إلا أن الروابط المشتركة بين تلك الشعوب من عناصر ثقافية وعادات وتقاليد وثقافات، تعتبر أهم العناصر التي توضح التواصل الشعبي بينها منذ قرون طويلة.
فتشارك أغلبها في بعض الثقافات وخاصة الاحتفالات التي تتشابه فيما بينها، وهنا قد نجد أكثر العناصر الثقافية المشتركة للشعوب التي تعيش على الأدوية والأنهار، هي الأكثر تشابها في تلك العناصر من الاحتفالات والطقوس والمراسم المتعددة.
ففي بعض الدول منذ أقدم العصور توجد ثقافات، يطلق عليها الشكر للخالق وثقافات النفير وهي العمل الجماعي في موسم الحصاد والزراعة، وشكر الخالق لموسم فيضان أو خريف أو محصول زراعي ناجح، وهي من العادات الأفريقية التي يمارسها أغلب سكان القارة الأفريقية في المناطق الريفية.
ومن بين هذه الشعوب، شعوب دول حوض النيل التي تعيش شعوبها حول الأودية والأنهار المائية، وتتشابه ثقافاتها في عدة عناصر، ونحن على أعتاب احتفالية "أريتشا" التي تحتفل بها قومية أوروميا هذه الأيام في عدة مناطق وأهمها على ضفاف بحيرة هورا سدي بمدينة بيشوفتو بالقرب من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وهي احتفالية بمثابة عيد الشكر لموسم خريف ناجح ووداعه، مع تقديم أناشيد وكلمات متعددة، والتي تتم علي البحيرات الإثيوبية المختلفة، وهم يحملون النباتات الخضراء التي حصلوا عليها من موسم الخريف وينثرونها علي البحيرة مع مراسم شكر خاصة يقوم بها كبار القوم لدي أوروميا الذين يطلق عليهم "أبا غدا".
ونجد أن هذه الاحتفالية أشبه باحتفالية الفراعنة المصريين القدماء، بعروس النيل وتقديمهم القرابين للنيل كنوع من الشكر للنيل وفيضانه وخيراته، وتقديم قرابين له والتي كانت في السابق على شكل عروس يتم اختيارها بصورة خاصة وتزيينها ليتم تقديمها للنيل.
وكذلك هنالك ثقافة خاصة لدى قوميات إقليم قامبيلا بغرب إثيوبيا "النوير والأنواك والموري" والتي تعيش على ضفاف نهر باور "أحد روافد النيل الأبيض" وتعتمد عليه في كل احتياجاتها الحياتية.
حيث تقوم بعض القبائل هناك بتقدم الشكر للخالق من خلال ذبح دجاجة أو خروف بحسب القدرة المالية والإمكانيات، وتقدمه للنهر كنوع من الشكر لما قدمه لهم من موسم حافل بالخير والطبيعة.
وفي مناطق أخرى من السودان، تمارس بعض القبائل السودانية، ما يسمى بـ"السيرة" وهي نوع من الاحتفالات الشعبية، تتم عادة من قبل بعض الأسر عندما تلد المرأة أو عندم يتم ختان الأولاد، بحيث يقومون بأخذهم في جولة لضفاف الأنهار كنوع من الترويح والترفيه، ويتم حمل بعض المأكولات والحلويات.
وقد تختلف تلك الثقافات من منطقة لأخرى في أفريقيا ولكنها تتشابه في العادات والتقاليد، والطريقة التي تمارس بها تلك الشعوب حياتها اليومية.
وكل هذه الثقافات تتشابه في طريقة وأسلوب الشكر من منطقة لأخرى، وعلى الرغم من الاختلاف الطفيف إلا أنها تعتبر إحدى علامات التواصل والترابط بين ثقافات وحضارات الشعوب، التي تعيش في تلك الرقع.
وإذا بحثنا قد نجد أن هذه الثقافات لم تأت من فراغ بل هنالك تواصل تاريخي وترابط فيما بينها، أو قد يكون النيل أو تلك المواقع المائية التي يعيشون حولها هي أحد الأسباب لجعل هذا التواصل الثقافي والحياتي يتشابه بصورة كبيرة.
التواصل الأفريقي يظل شعبيا بحتا، وعلى الرغم من المؤثرات السياسية والاقتصادية والمدنية الحديثة، إلا أن الثقافات تعتبر أقوى حلقة وصل بين تلك الشعوب الأفريقية، مهما اختلفت الألسن واللغات والعقائد والأفكار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة