ليست الإشكالية الكبرى فيما يجري بمجلس النواب، وإنما في النظام الفيدرالي الأمريكي الذي ضرب الرئيس الأمريكي السابق ترامب بكل قواعده عرض الحائط عندما هاجم مؤيدوه الكونغرس وحاولوا اقتحامه بصورة عشوائية.
وكلفت هذه الخطوة الولايات المتحدة الكثير من التبعات والتداعيات الكبرى والتي أثرت على النموذج الليبرالي الأمريكي في كل دول العالم، وبالتالي فإن المشكلة الرئيسة التي تواجه الأمة الأمريكية العمل على بناء توافقات سياسية جديدة، والمرور من أزمة الدين العام والغلق العام، والتي تم تأجيلها إلي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني المقبل ما يؤكد أن السياسات الأمريكية الداخلية سواء في الكونغرس، وخارجه لا تزال تعاني من أزمة حقيقية ومفصلية.
خاصة، وأن ما يجري في الكونغرس جزء من كل، وفي إطار تتالي التجاذبات وتعددها في مسارات متعددة خاصة، وأن ما يجري ليس فقط إقالة رئيس الكونغرس كيفن مكارثي في سابقة حقيقية وغير مطروقة ولم تحدث من قبل في تاريخ النظام الفيدرالي، وإنما فيما هو قادم من أزمات ستطول الكونغرس، وستمر بكل قواعد النظام السياسي الأمريكي في الوقت الراهن. خاصة وأن الصراع الحزبي بين الديمقراطيين والجمهوريين طال مؤسسات الدولة بكل قطاعاتها المتعددة، وانتقل إلى مراكز صنع القرار والمؤسسات الفيدرالية ما يشير إلى عمق الأزمة بالفعل، وأن الولايات المتحدة داخليا تعاني من أزمة مفصلية تطول استقرار الأوضاع الفيدرالية خاصة مع استمرار محاكمات الرئيس الأمريكي السابق ترامب، وانفتاحها على الرئيس الأمريكي الراهن جو بايدن ونجله، وكبار المسؤولين الأمريكيين الذين عملوا بجواره ما يؤكد على أن الولايات المتحدة ليست فقط رئيسا أو كونغرس، وإنما الأمر سيطول مؤسسات صنع القرار على مستوى الولايات المختلفة، ومراكز القوى التي تدير الدولة عن بعد، ومن وراء ستار حيث تتداخل مهام هذه المؤسسات البيروقراطية، والتي تتحرك في دوائر أمنية وسياسية واقتصادية وإعلامية، وهي من جاءت بالرئيس الأمريكي الراهن جو بايدن باعتباره يحمل ميراثا سياسيا، وتاريخا حزبيا على مستوى الأمة الأمريكية، وليس داخل حزبه فقط ما يؤكد على أن هذه المؤسسات تتجه في بعض الأحيان للحفاظ على مكانة، ومركز الولايات المتحدة في العالم عند الضرورة لكنها غير قادرة على الدخول في دوائر العمل الدوري في مؤسسة الرئاسة، أو في الكونغرس حيث تبرز التربيطات الكبرى والتحالفات المرنة وصولا لمكاسب سياسية حقيقية يمكن الانطلاق منها إلى تحقيق الأهداف الحزبية المخطط لها جيدا.
ومن ثم فإن أي رئيس جديد للكونغرس، وأيا كان اسمه من قائمة المرشحين الجدد، أو أي رئيس سيحضر للبيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية المقبلة سيلتزم بقواعد صارمة، وسيحاول المرور من أزمة النظام الفيدرالي، وتدخل القضاء والمحكمة العليا في إدارة الأوضاع، أو حسمها بطريقة قانونية حيث يقف المشرعون بالقرب مما يجري من خلال إقرار خريطة الأولويات والمهام الكبرى، ودون أن يصطدم الجميع برغم إتهام البعض من كبار المسئولين، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي السابق ترامب بتسيس القضاء، أو أنه ينفذ توجيهات الرئيس الأمريكي جوز بايدن، وغيرها من المترادفات والمفاهيم التي يتبناها التيار الشعبوي، والفوضوي الأمريكي في الوقت الراهن، ولا يتوقف عند الرئيس السابق ترامب، أو تياره الذي ما زال قويا وموجودا ومهيمنا على سدة الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، ومعبرا عن وجوده بصورة لافتة، وهو ما يزعج المؤسسات العتيقة في الحكم، والتي ترى أن مزيدا من التواجد الإعلامي لهذا التيار، أو غيره قد يؤدي لمزيد من الانقسامات السياسية والحزبية، وأنه سيؤدي لمخاطر حقيقية على مستقبل الأمة الأمريكية خاصة، وأن حالة الولايات المتحدة في الوقت الراهن لا تتحمل مزيدا من الانقسام، والذي جري في الكونغرس، ومس الاستقرار السياسي للدولة الأمريكية، ومرشح بقوة للاستمرار في الفترة المقبلة ما لم يلتف قادة الحزبين الديمقراطي والجمهوري على الحل، والحسم، ومحاولة المرور من الأزمة الراهنة، وإلا فإن الأمر سيمضي إلى مسارات صفرية، وهو ما حذر منه قادة كبار في الحزبين وطالبوا بضرورة بناء شراكات حقيقية في الفترة المقبلة .
ومن ثم فإن المستقبل السياسي للأمة الأمريكية سيكون محل تجاذب ومزيد من الانقسام الحقيقي، والأقرب إلى أجواء الحرب الأهلية خاصة، وأن فتح الاقتصاد بإجراءات استثنائية لن يكون هو الحل المطروح.
من الضروري إذن أن تتم التوافقات في سياقات سياسية حقيقية، وشراكات مهمة للحفاظ على مسارات الاتفاق خاصة وأنه قبل الوصول لموعد الاستحقاق للفتح سيتطلب الاتجاه إلى شراكات متعددة، واتفاقات راسخة متعلقة بالدين العام، وسقف الانفاق الخاص بالتضخم، وإقرار موازنات مؤقتة وتقديم تسهيلات اقتصادية محددة مع الاتفاق على إجراءات وتدابير محكمة، ونهائية وليس فقط من خلال أنصاف حلول، كما كان خلال الفترة الماضية ما يشير إلى أن الكونغرس بعد انتخاب رئيسه في حاجة إلى جدول أعمال عاجل حول مجمل السياسات الداخلية أولا قبل الشروع جديا في طرح خيارات التعامل، والانخراط في قضايا الخارج، وعلى رأسها تقديم المخصصات الأمريكية لأوكرانيا، والشراكة الاستراتيجية في جنوب شرق آسيا، والمواجهات الاقتصادية المفتوحة مع الصين مرورا بإجراءات تتعلق بحجم الوجود العسكري في العالم، والانتقال من استراتيجية التواجد، والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة في أقاليم العالم إلى استراتيجية التفاعل والشراكة مع إقرار استراتيجية التكلفة والعائد جراء تبني سياسة في إطار المخطط الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة في العالم، ومن خلال مقاربات حقيقية يمكن أن تعبر بها الولايات المتحدة من أزمتها الراهنة إلى مزيد من المكاسب، ونقل حالة الانقسام إلى الخارج في ظل مناخ جديد تسعى الولايات المتحدة إلى الوصول إليه إلا أن هذا الأمر ليس بهذه السهولة، وسيحتاج إلى استراتيجي متفق عليها بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وفي داخل الكونغرس الذي تحول في الآونة الأخيرة إلى غابة سياسية حقيقية ويحتاج في المدى القصير بعد انتخاب رئيسه الجديد إلى مقاربات توافقية حقيقية تتعلق بإدارة التشريعات العاجلة والحلول الحاسمة بدلا من العمل بخيارات وقتية، وهو ما سيدفع بالعمل مجددا على أرضية المصالح العليا للأمة الأمريكية، وإدارة عملية انتخابية مقبولة، وإقناع طرفي المعاجلة من قيادات الحزبين بأن المصالح العليا للولايات المتحدة تتطلب القفز على المشكلات الراهنة مع التقدير أنها بحاجة حقيقية لوقت وعدم الانخراط مجددا في استراتيجية المناكفة، والمواجهات الحزبية الضيقة حيث ستتداخل المواجهات الحزبية المكررة والمعتادة، وهو أمر معروف ومقبول في إطار المنافسات الحزبية لصالح الأمة الأمريكية، وتقدمها دون أن تؤثر على حجم الاستقرار الداخلي خاصة، وأنه لا تزال هناك فرص جيدة لبناء الشراكات الحزبية، وعودة الاستقرار- إن توافرت الإرادة السياسية في الفترة المقبلة - مع العمل من داخل الكونغرس على معادلة المكاسب للجميع والربح للجميع دون الاستمرار في معادلات صفرية ما قد يعطل التوصل لتوافقات في الوقت الراهن خاصة وأن الانقسام الراهن داخل الكونغرس بل وفي المؤسسات الفيدرالية كبير يحتاج بالفعل إلى حلول حقيقية، وتجاوز مساحات الخلاف، وما أكثرها، وهي التي ضربت بعمق الكونغرس الأمريكي، وأدت إلى مزيد من المشاحنات، والتجاوزات التي شملت الجميع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة