يبدو أن سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 بدأ مبكراً. إذ تشهد الساحة الأمريكية عددا من التطورات والتحركات أقل ما توصف به أنها انتخابية بامتياز.
لعل أوضحها الملاحقة القضائية والقانونية للرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب. ويبدو واضحاً أن هدفها الأساس هو قطع الطريق أمامه نحو إلى دخول البيت الأبيض مُجدداً. فهو (ترامب) منشغل تماماً بملاحقات قضائية ومعارك قانونية ستنعكس بالتأكيد على مستقبله السياسي، حتى لو تمت تبرئته منها. وإن كان هذا نفسه احتمالاً ضعيفاً نظراً لتعددها.
ولأن الساحة السياسية الأمريكية ليست ذات مسار واحد، وإنما تشمل مسارات ومستويات متعددة، البيت الأبيض والرئاسة ليسا سوى واحد فقط منها، فإن الشد والجذب في سياق لعبة الانتخابات الرئاسية ينتقل دائماً من مسار إلى آخر. ويقوم كل من الحزبين الرئيسيين هناك (الديمقراطي والجمهوري) بتوظيف القدرات لحسم المعركة الرئاسية لصالح مرشح أحد الحزبين وإسقاط مرشح الحزب الآخر.
في هذا الإطار، كان لافتاً أن تشهد الولايات المتحدة الأمريكية حراكاً سياسياً ساخناً قبل بدء الحملة الانتخابية بشهور وقبل إجراء الانتخابات نفسها بأكثر من عام.
فقد اتسع على نحو متسارع نطاق المناورات السياسية الجارية في واشنطن، وتكثفت التحركات الحزبية في الآونة الأخيرة، لتشمل عمل الكونغرس الأمريكي نفسه.
الأمر الذي سينعكس بالضرورة على قرارات وتوجهات الكونغرس في المدى القصير بشأن الملفات والقضايا ذات التأثير المباشر على الرأي العام واتجاهات تصويت الناخب الأمريكي في الانتخابات.
فبينما يجري الضغط القضائي على ترامب في مساره ووفق مقتضياته القانونية. ظهرت القضايا الداخلية (الاقتصادية بصفة خاصة) في المشهد باعتبارها أوراقاً انتخابية.
فبدأت بأزمة الديون الحكومية التي لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات. ورغم نجاح الإدارة في تأجيلها أكثر من مرة، كانت هذه المسألة سبباً مباشراً في نقل المناورات الانتخابية إلى داخل الكونغرس، والإطاحة برئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي الأسبوع الماضي.
ففي خطوة تاريخية غير مسبوقة، صوت مجلس النواب، الثلاثاء الماضي، على عزل مكارثي من رئاسة المجلس. وجرى التصويت بأغلبية 216 صوتًا مقابل 210، وبعد انضمام أصوات من الجمهوريين إلى الجانب المؤيد لإقالته.
كرد فعل على تعاونه مع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ لتمرير الاتفاق المؤقت حول الموازنة، لضمان تمديد التمويل الفيدرالي حتى السابع عشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لتجنب أي إغلاق حكومي.
ومعنى هذا أن أمام الكونغرس الأمريكي أقل من 40 يوماً لإبرام صفقة جديدة يتجنب الأمريكيون بموجبها شبح إغلاق حكومي لا يزال احتماله قائماً.
لم يكن ملف الدين الحكومي وحده سبباً في الإطاحة بكيفن مكارثي من رئاسة مجلس النواب الأمريكي، حيث يتهمه الجمهوريون بالتواطؤ مع البيت الأبيض لمواصلة تمويل أوكرانيا في حربها ضد روسيا.
وكان قد تم انتخاب مكارثي بصعوبة بالغة، حتى إنه جرت 15 جولة تصويت قبل أن يتولى رئاسة المجلس. الأمر الذي يعني أنه لم يكن يحظى بتأييد كافٍ من قبل الأزمة الأخيرة، حتى فيما بين النواب الجمهوريين أنفسهم، ما ساعد الديمقراطيين على الإطاحة به.
الدلالة المهمة في هذا الجو الانتخابي الدائر في الولايات المتحدة حالياً، أن حالة الانقسام والاستقطاب الحزبي المعتاد عموماً وفي مرحلة الاستعداد لعملية التصويت خصوصاً، تفاقمت هذه المرة.
حتى تغلغل الخلاف بين صفوف أحد الحزبين الكبيرين هناك وهو الحزب الجمهوري. وهو ليس الخلاف الأول بين الجمهوريين، إذ لا يزال المسار الخاص بدونالد ترامب ومصيره السياسي محل جدل وانشقاق بين اليمينيين المتشددين من الجمهوريين، والجمهوريين التقليديين المحافظين.
ومع ذلك فإن هذا لا يعني أن الوضع داخل الحزب الآخر (الديمقراطي) هو الأفضل، فالتوافق الحاصل هناك حول ترشيح جو بايدن، ليس إلا توافقاً ظاهرياً كإجراء روتيني معتاد لأنه لم يمضِ سوى ولاية رئاسية واحدة، وليس لأنه الأفضل أو الخيار المفضل للديمقراطيين.
أما من الناحية العملية، فهناك نقاط ضعف كثيرة وثغرات سيسعى الجمهوريون بالتأكيد لاستغلالها إلى أقصى درجة.
هذا كله، يؤكد ما ذكرته في بداية هذا المقال من أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد بدأت مبكراً للغاية، وعلى خلفية الملابسات والتطورات المذكورة، من الصعب التنبؤ بنتائج تلك الانتخابات، التي ستشهد على الأرجح عاماً صعباً ومفتوحاً في نهايته على كل الاحتمالات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة