انسحاب الرئيس الأمريكي جو بايدن من السباق الانتخابي، استجابة للضغوط، جاء قبل نحو شهر من موعد انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي.
وكانت خطوات الانسحاب بمثابة السيناريو الممنهج، حين أُعلنت إصابته بالكورونا ثم عزله في منزله بولاية ديلاوير إلى إعلان الانسحاب، وترك ساحة الديمقراطيين لنائبته كامالا هاريس، في وضعية معقدة للمشهد الأمريكي، فخطاب بايدن كان أشبه بالوداع الأخير، بعد أن انقلب عليه صقور الحزب الديمقراطي، ولم يدعمه سوى شخصيات محدودة، بمن فيهم زوجته التي اتهمت بأنها تجبره على البقاء في السلطة.
لقد شاهد العالم والشعب الأمريكي الأخطاء والزلات العديدة لبايدن طوال السنوات الماضية، التي تُوجت بأداء ضعيف في المناظرة الرئاسية الأولى، ما مكن خصومه الجمهوريين وفريق حملة ترامب من استغلال حالة بايدن الذهنية كهدف استراتيجي رئيسي للحملة، ومع سخونة مشهد الانتخابات، لم يستطع الديمقراطيون إخفاء الحقيقة المرة وتحمل احتمالية خسارة الانتخابات، ما كلف بايدن خسارة أموال داعميه وتأييد حلفائه وأعضاء حزبه والإعلام ونجوم هوليود، بعد أن كانوا يكيلون له المديح والأوصاف العظيمة! ففضل الخروج من المشهد بصورة البطل المنقذ للديمقراطية.
تزداد التساؤلات إن كان قرار انسحاب بايدن سيعزز من فرص الديمقراطيين للإطاحة بترامب، الذي يعيش بدوره أفضل حالاته بعد محاولة الاغتيال الفاشلة، والتفاف الحزب الجمهوري حوله واختياره شخصية لامعة ليكون نائبه، ولا نعرف إن كان الديمقراطيون سيفرحون أو يندمون على قرار الانقلاب الأبيض، فهاريس لم تنجح في جذب الانتباه خلال السنوات الثلاث ونصف السنة الماضية، وقد تكون ميزتها الأقوى أنها ستحصد أصوات الكارهين لترامب.
هناك 3 أسباب رئيسية دفعت بايدن للانسحاب من السباق الرئاسي، أبرزها التيار المطالب بانسحابه في الحزب الديمقراطي، خصوصاً الرئيس السابق باراك أوباما، وزعيم الديمقراطيين بمجلس الشيوخ تشاك شومر، ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، بالإضافة إلى تجميد ممولي حملة بايدن 90 مليون دولار من الأموال المخصصة لحملته، وأخيراً نتائج استطلاعات الرأي الحديثة.
تحول كبير في رحلة السباق إلى البيت الأبيض، فما بين محاولة اغتيال ترامب وقرار انسحاب بايدن، مسافة لم تتجاوز 8 أيام! فهل يمنح الانسحاب الديمقراطيين الفرصة لإعادة هيكلة الحملة الجديدة لهاريس؟ لا سيما اختيار مرشح مناسب لمنصب نائب الرئيس، وقد يكون من إحدى الولايات المتأرجحة.
وأتوقع أن تركز حملة هاريس على استقطاب أصوات النساء، لما يمثلن من نقطة ضعف في شريحة ترامب الانتخابية، كما يمكن لهاريس استغلال خبرتها كمدعية عامة، لتحويل المنافسة وكأنها مواجهة مع متهم مدان.
سيواجه الحزب الديمقراطي عدة تحديات حال ترشحت هاريس بشكل رسمي في مؤتمر الحزب، ولعل أبرزها الوقت المتبقي للانتخابات، فلن يكون أمام هاريس سوى 3 أشهر فقط!
لبناء الحملات الانتخابية وتوحيد الحزب والناخبين والداعمين حولها، ومع وراثتها لحملة بايدن بتمويلها، سيبقى تقديمها طرحا مختلفا عن بايدن محل تساؤل، خصوصاً في القضايا الداخلية مثل ملف الحدود مع المكسيك، وما يراه العديد من منتقدي هاريس حول قلة خبرتها السياسية، وعدم ارتباطها إلى حد كبير في الملفات الخارجية.
هل سيتشابه سيناريو انسحاب بايدن لصالح هاريس مع انسحاب الرئيس السابق ليندون جونسون عام 1969 لصالح هوبيرت همفري عن الحزب الديمقراطي؟ فالسياقات والظروف متشابهة! وكان جونسون قد انسحب بسبب الضغوط وتراجع شعبيته على إثر حرب فيتنام، إلا أن همفري خسر الانتخابات في مواجهة مرشح الحزب الجمهوري الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون.
سيناريوهات فوز أي من المرشحين متساوية، خصوصاً لو علمنا أن استطلاعات الرأي غير متجانسة، والعديد منها يرجح ترامب، وبعضها بدأ في ترجيح كفة هاريس، ما سيجعل المشهد المقبل أكثر إثارة، فكلا السيناريوهين محتمل الحدوث! وبالنسبة للمنطقة العربية أرى أنها لن تتأثر بشكل كبير بمن سيسكن البيت الأبيض على عكس العقود الماضية، فالدول العربية المحورية بما فيها دولة الإمارات وصلت إلى نضج سياسي واسع، وسياسة حديثة تعتمد على ركائز الانفتاح والتنمية والازدهار وتنوع العلاقات، وعلاقات العرب مع الولايات المتحدة تاريخيّة وراسخة، ولو حصلت بعض التباينات في بعض الملفات، وهو أمر طبيعي بين الحلفاء، وشخصياً أفضل شفافية واشنطن ووضوح سياستها على ضبابيتها وترددها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة