تقدم نهاية فيلم «ذي بيغ شورت» فكرة عن أجواء الخيبة التي أعقبت أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة في 2008.
تقدم نهاية فيلم «ذي بيغ شورت» فكرة عن أجواء الخيبة التي أعقبت أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة في 2008. دمرت الرهون والمشتقات المصرفية حياة ملايين الأميركيين وألقت بأسرهم في الشوارع بسبب مضاربات على «سلع» هي الى الهواء أقرب منها الى أي مفهوم اقتصادي للسلعة.
الفيلم المستوحى من قصة حقيقية لمضاربين انتبهوا في وقت مبكر الى الفقاعة المالية التي تنتفخ في القطاع العقاري والى بلايين الدولارات التي يجنيها كبار المديرين في المصارف ومؤسسات الاقراض بالتلاعب، تارة على أموال المقترضين وطوراً على المال العام، ينتهي بملاحظة مريرة وهي أن المسؤولين عن الانهيار الاقتصادي العالمي الأسوأ منذ «الركود الكبير» في 1929، قد عادوا – باستثناء واحد جرت التضحية به – الى جني الأرباح بذات طريقتهم السابقة على تدهور «ليمان براذرز» وأشباهه، لكن مع تغيير طفيف في اسماء المشتقات المصرفية التي يسوقونها.
لم يحظَ «ذي بيغ شورت» بالضجة التي أحاطت بفيلم «ذئب وول ستريت»، بيد أن الفيلم الأول قد يفوق من حيث القيمة الفنية والأهمية «التربوية» عمل مارتن سكورسيزي. ذلك أن فيلم «آدم ماكي» يبرع في تصوير الآليات العميقة لإدارة أسواق المال وسط تواطؤ ينخرط فيه السياسيون ورجال الأعمال وشركات التقييم الإئتماني وغيرهم. أسواق تتاجر بأوراق لا قيمة لها، لكن اضطرابها قد يودي بحياة بشر من لحم ودم.
عودة المديرين المسؤولين عن كارثة 2008 التي لم تنتهِ فصولها في العديد من البلدان بعد، الى مناصبهم وحصولهم على تعويضات سخية عن الخسائر التي تسببوا هم انفسهم بها لمؤسساتهم تحت شعار أن تلك المصارف «أكبر من أن تسقط»، شكل خيبة الأمل الأولى والكبيرة بصدق التزام الرئيس الجديد حينئذ، باراك اوباما، بالوعود التي قطعها لجمهور رأى فيه التجسيد الحي لآماله في مستقبل أفضل لأجيال من الأميركيين الذين لا يستطيعون توفير التعليم العالي لأولادهم ولا الرعاية الصحية ولا التقديمات الاجتماعية إلا بشق الأنفس وبمعايير تقل كثيراً عن اي دولة صناعية كبرى.
أمل الأميركيون أن يحد أوباما من خبث سياسات تقود الى الكارثة وتكافئ المتسبب بها. لكن الرجل الذي يباهي بنجاحه بتمرير قانون الرعاية الصحية المعروف باسم «أوباما كير»، فشل في الارتقاء الى مستوى الآمال التي علقت عليه.
شكّل أوباما حالة فاوستية في اتفاقه مع شيطان المؤسسة الفاسدة والمعتجرفة، واستخدم فصاحته في تسويق رؤية الى العالم تفتقر الى النزاهة وتبرر التستر على النفاق في الداخل والخارج. وروّج لتعافي الاقتصاد الاميركي وازدياد فرص العمل من دون الاعتراف ان التفاوت بين الفقراء والاغنياء في الولايات المتحدة والتوتر العرقي قد بلغا في ولايتيه حداً غير مسبوق. ولم يجد مانعاً من تأييد شريكته في الانتماء الى النخبة السياسية ذاتها هيلاري كلينتون، في وجه المرشح الديموقراطي بيرني ساندرز الذي أدرك عمق التردي الاجتماعي الذي تغرق فيه المناطق الفقيرة في البلاد.
الى جانب كل الأخطار التي يحملها وصول شخص مثل دونالد ترامب الى البيت الأبيض، ينبغي الإنصات الى صوت الأميركيين الذين لم تعد شرائح عريضة منهم قابلة بالشلل الذي تفرضه «المؤسسة» الحاكمة على حقوقهم وطموحاتهم. تقود أميركا العالم نحو المجهول، على ما تردد بعد ظهور نتائج الانتخابات. لكن هناك من فضّل المجهول على «المؤسسة».
* نقلاً عن " الحياة "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة