ترويجا لأجندتها الاستعمارية.. غزو إعلامي تركي لأسيا والمغرب العربي
كما تعمل على تنفيذ شراكة إعلامية مع أحد أضلاع محور الشر بالمنطقة وهي إيران وبتمويل قطري.
منذ نحو عقد، يعمل النظام التركي، بقيادة رجب طيب أردوغان، على اختراق العالمين العربي والإسلامي عبر غزو إعلامي، مستغلا صعود التيارات المتطرفة وعلى رأسها الإخوان إثر ثورات الربيع العربي لتنفيذ أجندته الاستعمارية.
ومع تصدي العديد من الدول العربية بمنطقة الشرق الأوسط للإعلام والمؤامرات التركية، عمل أردوغان على تنفيذ شراكة إعلامية مع أحد أضلاع محور الشر بالمنطقة وهي إيران وبتمويل قطري.
المغرب العربي
ووفق صحيفة "أحوال تركية" فإنه بعد الإعلان نهاية العام الماضي عن تأسيس قناة تركية باكستانية ماليزية، ناطقة بالإنجليزية، بدعوى محاربة الإسلاموفوبيا و"تصحيح المفاهيم الخاطئة المأخوذة عن الإسلام"، تستعد الحركة الإسلامية المغاربية لإطلاق قناة من تركيا موجهة بالكامل إلى دول المغرب العربي.
جاء ذلك عقب فشل أنقرة في الترويج لإطلاق تحالف إسلامي بين كلّ من تركيا وماليزيا وباكستان، من دون أن يشمل التحالف أيّ دولة عربية، وليكون التحالف المزمع بديلا لمنظمة التعاون الإسلامي والقيادة السعودية لها.
رؤية تركية بأموال قطرية
وقالت الصحيفة إنه في أعقاب التدخل العسكري التركي في ليبيا، تعمل أنقرة على دعم أعضاء من الحركة الإسلامية المغاربية، خاصة نشطاء جزائريين وتونسيين، للوقوف خلف مشروع إعلامي يخدم أجندتها العدائية.
وأضافت أنّ المعارض الجزائري، ذا التوجه الإسلامي، العربي زيتوت من بين المُوجِّهين الرئيسيين لهذا المشروع الجديد الذي يموِّله مستثمرون أتراك وشرق أوسطيون مُقيمون في تركيا.
وأشارت إلى أن زيتوت، زعيم حركة "رشاد" الإسلامية، سافر مؤخرًا إلى مدينة أنطاليا التركية؛ للمشاركة في المفاوضات التي أدّت إلى وضع تصور لهذا المشروع الإعلامي.
وكشفت أنه تم بالفعل إنشاء شركة برأسمال أولي يصل إلى 200 ألف يورو سيتعزز بالأموال القادمة من الدوحة لإنجاح هذا المشروع الإعلامي.
ويهدف هذا المشروع إلى إنشاء قناة تدافع عن رؤية الإخوان المسلمين وخدمة مصالح التيارات الإسلامية التي تدعمها تركيا. كما تُراهن تركيا على هذا التلفزيون الجديد لتعزيز نفوذها في الملف الليبي حيث تدافع عسكريا عن حكومة السراج الإخوانية في طرابلس.
واستقطبت تركيا أكثر من 3 آلاف إعلامي عربي منذ العام 2011 يعملون في العشرات من المواقع الإلكترونية والفضائيات والمحطات الإذاعية الناطقة بالعربية والموجهة لخدمة أجندات حزب العدالة والتنمية.
وقال ياسين أقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية، الحاكم في تركيا، إن وجود الإعلاميين العرب في بلادنا "فرصة لا تقدر بثمن لنقل الرؤى التركية عبر الإعلام العربي، وهو شيء لا يُشترى بالمال".
ووفق صحيفة "العرب" اللندنية فإن تركيا تستعيد تجربة قناة الجزيرة القطرية التي فتحت أبواب الانتداب أمام العشرات من الصحفيين العرب برواتب مغرية، وأغرتهم بالحياد والرأي والرأي الآخر، ليجدوا أنفسهم في صف أجندة معادية لدولهم، حيث تحول بعضهم إلى معارض رغم أنفه.
تهديد للوحدة الدينية
وأشارت الصحيفة إلى مخاوف ممّا يمكن أن يفعله مثل هذا الإعلام بالمنطقة المغاربية، حيث إن الحركات الإخوانية حتى وإن كانت تشارك في إدارة الحكومة في تونس والمغرب وليبيا، إِلا أنها باتت تفقد قوتها، وأن الأتراك، الذين يخوضون حرب نفوذ في المنطقة يريدون مساعدة حلفائهم الطبيعيين.
ولفتت إلى أن خطر هذه الفضائية سيكون أكبر من بعده السياسي الظرفي الداعم للنفوذ التركي، مشيرين إلى أن المنطقة المغاربية تتسم بوحدة فضائها الديني من خلال المذهب المالكي، الذي يوصف بالمعتدل ويميل للتركيز على العبادات والتسامح والاستقرار أكثر من الصراع السياسي الذي يحمله فكر الإخوان المتطرف، وهو فكر انتقائي هدفه السلطة ويتسم بالاستفزاز والعنف.
وحذر هؤلاء من أن الانتشار الإعلامي لفكر الإخوان سيهدد الوحدة الدينية في المنطقة، وأنه قد يفجّر الصراعات داخلها بين مكونات دينية مختلفة، فضلا عن استهدافه لأكبر قوة دينية وروحية، والمقصود بها الصوفية، وهي تيار عريض في المنطقة سبق أن تعرض إلى هجمات وحملات تشويه في مصر وليبيا مع صعود الإخوان واستفادتهم من ثورات 2011.
تمدد الفكر المتشدد
وفي غياب فضائيات دينية ذات توجه فقهي مالكي، وجدت السلطات في البلدان المغاربية، خاصة في تونس والجزائر وليبيا، صعوبة خلال تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الجديد في مواجهة تمدد الفكر المتشدد.
فيما كان المغرب يتوفر على أرضية دينية وسياسية ثابتة ساعدته على امتصاص التأثيرات الوافدة.
وتتهم هذه الفضائيات بأنها ساهمت بشكل كبير في توفير الأرضية الدينية للإرهاب الذي شهدته الجزائر ثم في موجة التسفير وهجرة شباب مغاربي إلى مناطق النزاع في العراق وسوريا وتحوّلهم إلى نواة صلبة في قلب الجماعات الإرهابية.
وتشير أوساط إعلامية مغاربية إلى أن الفضائية الجديدة المدعومة من تركيا يمكن أن تلقى تفاعلا في الشارع المغاربي وتسبب مشاكل لدول المنطقة في ضوء استغراق إعلام هذه الدول في الخطاب المحلي والمجاملة وتعاطيه الحذر مع القضايا الخلافية خاصة ما تعلق بالهوية لمحاذير سياسية.
وما يثير المخاوف من هذه الفضائية الطارئة هو عدم استعداد الإعلام المحلي في المنطقة المغاربية لمغادرة مربع الصراع بين دوله، وبناء وحدة سياسية ودينية لمواجهة التمدد التركي الذي يعمل على معارك بواجهات متعددة، سياسية واقتصادية وتاريخية في مسعى لإعادة إحياء الماضي الاستعماري العثماني الذي ما تزال ذاكرة أبناء شمال أفريقيا تحتفظ بقصص وحكايات عنه وعن مجازره واستغلاله وإجبار الناس على الحرب في صفوف الانكشارية وتمويلها.
وإذا كان الوجه السياسي هو الأبرز في الأجندة التركية تجاه المنطقة العربية، فإن الهدف بعيد المنال هو التطبيع مع الثقافة التركية، وخلق “قابلية للاستعمار” القديم الجديد، الذي يتجاوز استعادة النفوذ العسكري والسياسي إلى بناء إمبراطورية جديدة في مناطق نفوذ الإمبراطورية العثمانية القديمة.
وتزعم أنقرة من حين لآخر، أنّ الإعلام في بعض الدول العربية يشنّ حملة ضدّ تركيا ورئيسها لا مثيل لها حتى في الإعلام الغربي، فيما يستغرب مُتابعون للمشهد الإعلامي التركي بالمقابل أيّ حيادية من الممكن أن يتبعها الصحفيون العرب المتواجدون في تركيا في ظلّ تقييد الحريات الصحفية بشكل غير مسبوق في البلاد، وبينما يقبع مئات الصحافيين الأتراك والأجانب في السجون.
ويُقيم الإعلاميون المذكورون في تركيا بشكل دائم، وسبق وأن رافق كثيرون منهم جماعات إرهابية مسلحة في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن، فضلاً عن ترويجهم لفكر الإخوان الذين تدعمهم أنقرة.
تعاون إعلامي تركي إيراني
تتمدد العلاقات بين تركيا وإيران من تنسيق واسع في الجوانب السياسية والأمنية والجيوسياسية إلى محاولة "التلاقي الإعلامي"، وإيجاد صيغ جديدة لاستراتيجية الإعلام الخارجي بينهما، بما يخدم مصالحهما المشتركة، وأجنداتهما التوسعية والعدائية بالمنطقة.
وقبل اسبوعين، عقد المتحدث باسم الخارجية التركية، حامي أقصوي، ونظيره الإيراني عباس موسوي، اجتماعا استشاريا للمرة الأولى، عبر تقنية فيديو كونفرانس حول التعاون المشترك في مجال الإعلام.
واتفقا على ضرورة انعكاس العلاقات بينهما إلى مجال الإعلام وتعزيز التعاون المشترك في هذا الحقل عبر تشكيل آليات بهذا الخصوص .
ووفق مراقبين فإن التنسيق والتحرك الإعلامي لتركيا وإيران لا يقف عند حدود الإعلام القطري المتمثل في قناة الجزيرة في المقام الأول، لكنهما عمدا إلى تدشين قنوات إعلامية ترتبط بهما بشكل مباشر، أو بإحدى أذرعهما مثل قناة الميادين التابعة لحزب الله اللبناني، والتي تروّج لتمدد إيران في المنطقة.
دعم المليشيات
الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (مقره القاهرة/حكومي)، عمرو الشوبكي، قال إنه بالتزامن مع التنسيق الأمني والسياسي بين تركيا وإيران، هناك تلاقٍ إعلامي بين مشروعين كل منهما يراهن على دعم الأذرع السياسية والعسكرية وليس على علاقات تحالف بين الدول.
وأضاف الشوبكي، في حديث سابق لـ"العين الإخبارية"، أن "كل دولة تدير تحالفاتها مع أي أخرى كما تريد، لكن الإشكالية الحقيقية أن أنقرة وطهران لا يتحركان على أرضية استخدام القنوات المباشرة والواضحة، بل يعتمدان سياسة الأذرع المليشياوية والسياسية والإعلامية كمرجع لهما في دعم مصالحهما وخططهما التوسعية".
وأشار الخبير والمحلل السياسي إلى أن تلك الدول تستخدم أدوات خارج المسارات الشرعية المعروفة بين الدول، حيث تعتمد طهران على أذرعها السياسية والتنظيمات الطائفية والشيعية في عدة عواصم عربية، ولديها أذرع إعلامية مختلفة تصب في دعم هذه المليشيات.
توظيف الإعلام
ونوه الشوبكي بأن أنقرة أصبحت مؤخرا تمارس نفس الشيء حيث أصبح لها ميليشيات وأذرع سياسية وعسكرية؛ لذا فإنها تحرص أن يكون لها آلة إعلامية تخدم تلك الأذرع وتوجهاتها.
وتابع: "هناك تحالف وتنسيق بين الدولتين؛ لدعم التنظيمات المسلحة والمليشيات التابعة لهما والترويج لمشروعاتهما؛ سواء كانت حزب الله أو تنظيم الإخوان".
ورغم الاختلاف الأيدلوجي الواضح بين أنقرة وطهران، رأى الشوبكي أن هناك تنسيقا وتلاقيا بينهما في العديد من الأمور؛ حيث إن الأساس لديهم يتمثل في دعم تنظيمات تتحرك خارج نطاق الدولة الوطنية، بل وتسعي لهدمها وتفكيكها، فالخلاف السني الشيعي بين الطرفين يتراجع أمام تحقيق استراتيجية إعلامية تروج لمصالحهما.
أموال قطرية
وحول الدور القطري، قال الخبير بمركز الأهرام إن الدوحة تعتبر المحرض، وشريكا أساسيا في التمويل؛ من أجل ليس فقط الحماية، بل للحصول على مساحة ودور أكبر من حجمها وإمكاناتها.
وتسعى أنقرة لاستثمار التمويل القطري في محاولة لتوسيع القنوات العربية التي تبث من أراضيها، وتحقق أجندتها كما لو أنها قنوات تركية، في وقت تسيطر طهران على قنوات وفضائيات "المنار" و"العالم" وغيرها.
الأمن القومي العربي
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة، طارق فهمي، إنه رغم التباين والاختلاف بين المشروعين الإيراني والتركي، لكن لوحظ في الفترة الأخيرة وجود تنسيق واضح يجري بين الدولتين من وراء الستار بشكل يمس بالأمن القومي العربي مباشرة؛ حيث إن توحد رؤية الدولتين ستكون له تداعيات خطيرة على المنطقة.
وأوضح فهمي في حديث سابق لـ"العين الإخبارية" أن هناك مساحة التقاء كبيرة بين التحركات التركية والإيرانية فى هذا التوقيت، سواء على صعيد التنسيق في الملف السوري، وفى قطاع غزة، مرورا بالملف اليمني وهو الأخطر؛ لأن التحركات التركية الحالية مريبة جنوب اليمن، فضلا عن ليبيا.
وأعلن وزير الخارجية الإيراني مؤخرا دعم بلاده لحكومة الوفاق غير الدستورية في ليبيا ومشاركة طهران وجهات النظر مع تركيا بشأن سبل حل الأزمة الليبية.
ونبه "فهمي" إلى أن المقاربة الإعلامية بين أنقرة وطهران تعتبر مدخلا لما هو قادم من سيناريو تقارب العلاقات بينهما بشكل يمس الأمن القومي العربي ودول الخليج، خاصة مع انخراط الطرفين في التدخل الكبير فى العواصم العربية بصورة متتالية.
aXA6IDE4LjExNy43OC4yMTUg جزيرة ام اند امز