تحديد عمر نيازك مريخية زارت الأرض.. كيف نجح العلماء في ذلك؟
تتعرض الأرض أحيانا لقطع صغيرة من المريخ "نيازك"، وهذه القطع من الصخور المريخية نادرة بشكل لا يصدق، لكنها يمكن أن تخبرنا الكثير عن التاريخ الجيولوجي للكوكب الأحمر.
ومع ذلك، كانت إحدى أكبر المشكلات التي واجهها العلماء الذين يدرسون هذه النيازك هي صعوبة تحديد تاريخها، مما يجعل من الصعب على الباحثين تحديد مكان نشوء الصخور على المريخ.
لكن بحثًا جديدًا نُشر في مجلة "إيرث آند بلانيتري ساينس ليترز" نجح في حل هذه المشكلة، عن طريق وضع النيازك المريخية في مفاعل نووي، ليكشف عن صغر سنها على نحو مثير للفضول، حيث تم تقدير عمر معظمها ببضع مئات الملايين من السنين فقط، ومن المحتمل أنها جاءت من أحداث بركانية حديثة نسبيا مثل ثوران أكبر بركان في النظام الشمسي، أوليمبوس مونس.
وقاد هذه الدراسة الدكتور بن كوهين، عالم البراكين في جامعة جلاسكو، مع زملائه في متحف التاريخ الطبيعي، وجامعة إدنبرة، وباحثين في الولايات المتحدة.
ويوضح بن في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لمتحف التاريخ الطبيعي: "نعلم من بعض الخصائص الكيميائية أن هذه النيازك تأتي بالتأكيد من المريخ، لقد تم قذفها خارج الكوكب الأحمر، بسبب أحداث تصادمية هائلة، مما أدى إلى تشكيل فوهات كبيرة، ولكن هناك عشرات الآلاف من الحفر النيزكية على المريخ، لذلك لا نعرف بالضبط من أين جاءت النيازك على هذا الكوكب، وأفضل الأدلة التي يمكنك استخدامها لتحديد الحفرة المصدرية هي عمر العينات".
مفارقة عصر شيرجوتيت
وفي حين تم التعرف إلى أكثر من 70 ألف نيزك على الأرض، يعتقد أن 358 منها فقط نشأت على المريخ، وأدت أحداث الاصطدام إلى ركل صخور سطح المريخ وإلقائها في الفضاء، ثم دارت هذه الصخور النادرة حول النظام الشمسي قبل أن تصطدم بالأرض بعد ملايين السنين.
ويتم تصنيف النيازك المريخية عادةً إلى ثلاث فئات رئيسة، مع فئة رابعة لتلك "غير المصنفة" حاليًا، ويُعد الشاسينيت هو أندر هذه الصخور، حيث تم اكتشاف اثنين فقط منه على الإطلاق، يليها النخلات، التي تشكلت قبل نحو 1.3 مليار سنة في أثناء الانفجارات البركانية على المريخ، والنوع الأكثر شيوعا من النيازك هو تلك المعروفة باسم شيرجوتيت.
ويتم تصنيف نحو ثلاثة أرباع جميع النيازك المريخية على أنها شيرجوتيت، ويُعتقد أيضًا أنها تشكلت في الحمم البركانية المتدفقة من البراكين المريخية، لكنها شكلت لغزا للعلماء الذين يدرسون الكوكب الأحمر أيضًا.
وباستخدام وفرة الحفر الأثرية، يعرف الباحثين أن غالبية سطح الكوكب يتراوح عمره بين ثلاثة وأربعة مليارات سنة، ولكن عندما وصل العلماء إلى عمر النيازك شيرجوتيت، حصلوا على نطاق كبير من الأعمار، من أربعة مليارات سنة إلى أقل من 200 مليون سنة.
وقد خلق هذا مشكلة، فإذا كان عمر سطح المريخ، في المتوسط، مليارات السنين، فكيف يمكن للنيازك شيرجوتيت أن تعود بأعمار لا تزيد عن بضع مئات من ملايين السنين، وأصبح عدم التطابق هذا معروفًا باسم مفارقة عصر شيرجوتيت.
ويوضح بن: "كانت أحد الأفكار هي أن أحداث الاصطدام التي تضرب المريخ يمكن أن تعيد ضبط الأساليب التي يستخدمها الجيولوجيون لتحديد عمر الصخور، وتم استخدام ذلك للقول إن عمر النيازك كان في الواقع أربعة مليارات سنة، وكل الأرقام الأحدث كانت، بسبب إعادة ضبط الصخور كليًا أو جزئيًا، بسبب الحرارة والضغط الناتجين عن هذه التأثيرات".
ولكن مع دراسة المزيد والمزيد من النيازك بتقنيات مختلفة، فإن الجزء الأكبر من النتائج التي تم الحصول عليها كانت حديثة العهد على نحو غريب، مع وجود دليل على أن الأعمار لم يتم تحديدها عن طريق الاصطدام، ومن الواضح أن شيئًا ما لم يكن صحيحا تماما.
كيفية تحديد أعمار نيازك المريخ
وتم تأريخ النيازك المريخية تاريخيًا باستخدام مجموعة من الأساليب، التي عادةً ما تعطي انتشارًا للأعمار، وإحدى هذه الطرق هي ما يعرف بطريقة "الأرجون – الأرجون".
وفي أبسط العبارات، يقيس هذا معدل اضمحلال نظير البوتاسيوم-40 إلى الأرجون-40، ويعتبر البوتاسيوم عنصرا وفيرا، مما يجعل هذه الطريقة متعددة الاستخدامات للغاية، ويمكن استخدامه لقياس عمر مجموعة متنوعة من الصخور، بدءا من ثوران جبل فيزوف، وحتى بداية النظام الشمسي نفسه.
وهذا مفيد للصخور التي تشكلت على الأرض، حيث إن العلماء قادرون على حساب التلوث بالأرجون الإضافي الذي يشق طريقه إلى الصخور مما قد يؤدي إلى انحراف العمر، لكن الأمور أصعب قليلاً بالنسبة إلى الصخور التي تتجول في الفضاء منذ ملايين السنين.
ويقول بن: "هناك خمسة مصادر محتملة للأرجون يمكن احتواؤها داخل نيازك الشيرجوتيت، وهذا بالمقارنة مع الصخور على الأرض، حيث لا يوجد سوى ثلاثة".
ويضيف أن "حقيقة وجود هذين المصدرين الإضافيين للأرجون في العينات المريخية هو ما يجعل نظام الأرجون-الأرجون معقدا بالنسبة للشيرجوتيت".
ومن خلال العودة إلى طريقة الأرجون-الأرجون باستخدام المعدات والتكنولوجيا الحديثة، تمكن بن وزملاؤه من إعادة تقييم سبعة نيازك مريخية، وشمل ذلك لصق قطع صغيرة جدًا منها في مفاعل نووي مخصص للأبحاث فقط لقياس تركيزات الأرجون بأكبر قدر ممكن من الدقة، ثم معرفة الأعمار التي عادت بها.
ومن خلال النظر على نحو أكثر دقة إلى كيمياء النيازك، تمكنوا من حساب أي أرجون اكتسبته الصخور في أثناء وجودها في الفضاء، كما تمكنوا أيضًا من تصحيح مقدار التلوث الناتج عن الغلاف الجوي للمريخ والأرض.
ويوضح بن: "بمجرد أن فعلنا ذلك، تبين أن عمر الأرجون-الأرجون كان صغيرا، ويتوافق تمامًا مع الطرق الأخرى، مثل اليورانيوم-الرصاص".