اتفاق السعودية وإيران.. كيف استقبلته مليشيات الحوثي وحزب الله والحشد؟
حالة من التخبط والتناقض، تعيشها المليشيات والقوى السياسية الموالية لإيران في المنطقة بعد اتفاق الرياض وطهران على عودة العلاقات الدبلوماسية الذي كان بمثابة قذيفة مدوية في صدر تلك الأذرع أظهرت جليا حجم الحرج الذي تعيشه أمام أتباعها.
انعكس ذلك على ردود الفعل المرتبكة والمواقف المتناقضة، فرغم ترحيبها الضمني بالاتفاق باعتبار السعودية قوة إقليمية فإنها دفعت بقياداتها وأجنحتها المتطرفة لإشعال الحرائق والتمسك بنبرة الحرب لزعزعة أمن المنطقة.
ترصد "العين الإخبارية" تلك الحالة من التناقض والبراغماتية لا سيما من قبل مليشيات الحوثي وحزب الله اللبناني وفصائل الحشد الشعبي في العراق وعلى رأسها التنظيمان الرئيسيان عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، وكذلك القوى الموالية لإيران في لبنان.
حزب الله
لم يتطلب الأمر أكثر من أيام لتختلط أوراق حزب الله لدرجة أن دوران عقارب مواقفه بدت أسرع من الزمن الفيزيائي المفترض للتراجع عنها حيث تغيرت بوصلة المليشيات بنسبة 180 درجة في أيام قليلة، وتغيرت اللهجة والمضامين لتسقط ساعات حروبا كلامية استمرت لسنوات، في تضارب كشف كواليس لافتة.
ليس بعيدا، فمساء الإثنين الماضي، بدا الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله على تمام الثقة وهو يقول: "لا نراهن على أي تسويات ولا ننتظر تسويات ونقول للبنانيين لا تنتظروا تسويات، ولا نقبل أن يفرض (فيتو) من الخارج لا على مرشحينا أو على المرشحين الآخرين ونقبل المساعدة لتقريب وجهات النظر".
وأضاف نصر الله في تصريحات متلفزة، على هامش تعليقه على انتخاب رئيس للبنان: "لا علاقة للملف النووي الإيراني بأي شيء آخر في المنطقة، ومن ينتظر تسوية إيرانية أمريكية سينتظر 100 سنة، ومن ينتظر تسوية إيرانية سعودية سينتظر طويلا، فحل موضوع اليمن هو في يد اليمنيين وقيادة أنصار الله".
لكن لسوء حظه، لم يطل الانتظار كثيرا، حيث أعلنت إيران والسعودية، بعد أيام قليلة فقط، وتحديدا مساء الجمعة، استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016، إثر مفاوضات استضافتها الصين، في خطوة يرى خبراء أنها ستقود نحو تغييرات إقليمية دبلوماسية كبرى.
إعلان يبدو أن نصر الله ومليشياته لم يكونوا على دراية به، وإلا لما جازف بتصريحات التقطها المغردون من جميع أنحاء العالم العربي للتندر والسخرية، وكشفت الهوة الفاصلة بين إيران وحزب الله.
ولأنه ملزم بالتعليق -لأسباب عديدة- على الاتفاق السعودي الإيراني، لم يكن أمام نصر الله سوى الانحناء أمام العاصفة، والتراجع عن تصريحات لا تزال تتصدر مواقع التواصل، مجازفا بكل ما تمنحه المقارنات من مجال للسخرية وتأكيد لأن قرار المليشيات يدار عن بعد حسب التطورات والتوازنات.
ولم يكن أمام نصر الله من حل سوى الدخول مباشرة في الموضوع، بالقول إن "هذا التحول طيب، ونحن سعداء لأنه عندنا ثقة بأن هذا لن يكون على حساب شعوب المنطقة بل لمصلحة شعوب المنطقة ويساعد في لبنان واليمن وسوريا والمنطقة".
وأضاف في كلمة متلفزة، أنه "في حال سار التقارب السعودي الإيراني في المسار الطبيعي فيمكن أن يفتح آفاقا في المنطقة وفي لبنان أيضا".
وكان ذلك كل ما يحتاجه رواد مواقع التواصل للانقضاض على التصريحات ومقارنتها، لتبدأ سيول التعليقات مستشهدة بمقاطع فيديو وصور قديمة.
القوى اللبنانية الموالية لإيران
بادر رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس حركة أمل الحليفة لحزب الله، إلى التأكيد في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء اللبنانية، على ضرورة الاستفادة مما جرى من اتفاق بين السعودية وإيران، للدفع باتجاه "التوافق والحوار" بين القوى السياسية لإنهاء أزمة الشغور الرئاسي في لبنان الممتد منذ 5 أشهر.
وقال بري إنه "انطلاقا من وجوب القراءة الإيجابية لمشهد التقارب العربي الإيراني، أجدد الدعوة الصادقة والمخلصة لكافة القوى والشخصيات السياسية والحزبية في لبنان إلى وجوب المبادرة سريعاً للتلاقي على كلمة سواء، نقارب فيها كافة القضايا الخلافية وننجز استحقاقاتنا الدستورية، وفي مقدمتها انتخاب رئيس للجمهورية بالتوافق والحوار".
وقبل يومين، قال وئام وهاب رئيس حركة التوحيد العربي المقرب من حزب الله، إن "الاتفاق السعودي الإيراني بشرى طيبة لشعوب منطقتنا، ويفتح الأفق أمام أمن مستدام وإنماء تحتاجه دولنا".
واستطرد: "المستقبل في المنطقة للاقتصاد والإنماء وهذا ما أدركته إيران والسعودية وتركيا".
مليشيات الحوثي
وسط هذا المشهد المفاجئ وهذا الدعم الدولي الإقليمي والدولي للاتفاق الذي رعته الصين بدت مليشيات الحوثي أكثر من غيرها في حالة من التخبط والارتباك وذلك بعد ترحيبها الضمني بالاتفاق السعودي الإيراني وخروج قيادتها لتبرير موقف طهران وموقفهم من الاتفاق.
ورحبت مليشيات الحوثي ضمنيا بالاتفاق على لسان ناطقها الرسمي محمد عبدالسلام بزعم "عودة العلاقة الطبيعية بين دول المنطقة"، وهو إقرار منه بقوة السعودية الإقليمية التي سعى الانقلابيون لمهاجمتها لأكثر من 3 عقود.
ولم تمضِ ساعات على موقف عبدالسلام حتى خرج القيادي الحوثي عبدالملك العجري بموقف آخر يزعم فيه أن الاتفاق يشمل فقط استئناف العلاقات "الثنائية" بين البلدين، مطالبا بالاعتذار لمليشياته بعد سقوط ما وصفه بـ"الحجج".
من العجري إلى القيادي النافذ محمد علي الحوثي والذي خرج يهاجم ضمنيا الاتفاق ويقلل من تأثير الاتفاق في اليمن بزعم أنه لن يلبي رغبات وتطلعات مليشيات الحوثي الإرهابية.
مليشيات العراق
لم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للمليشيات العراقية الموالية لإيران حيث اعتمد رؤساء القوى السياسية والمليشيات المسلحة الصمت وحجب المواقف إزاء الاتفاق الموقع في بكين بين إيران والمملكة العربية السعودية.
في المقابل غالباً ما كان خطاب تلك القوى باتجاه التصعيد والتهديد وكيل الاتهامات لدول الخليج العربي وخصوصاً السعودية محاولة لكسب ود طهران.
على رأس تلك القوى التي دأبت على مهاجمة كل من يعترض المصالح الإيرانية في العراق، مليشيات "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"النجباء" و"الحشد الشعبي".
وعلى مستوى التمثيل السياسي تأتي قوى الإطار التنسيقي بما فيها حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، في طليعة الموالين لإيران.
مليشيات الحشد الشعبي التي لا تخفي ولاءها لإيران والتي دأبت على انتقاد أصحاب التوجهات السياسية العروبية في العراق التزمت صمتا مريبا حين جد الجد ووقع اتفاق يدفع نحو استقرار وأمن المنطقة.
هي ذاتها المليشيات التي هاجمت مرارا حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي الذي نجح في بناء علاقات خارجية جيدة مع الدول العربية.
وآنذاك، أطلقت أطراف عراقية موالية لإيران نيران هجماتها ضد انفتاح الحكومة السابقة على العرب ساخرة من مقولة "عودة العراق الى حضنه العربي".
وفيما خلا ذلك جاءت بعض الأسماء والجهات التي أبدت ترحيباً بالاتفاق التاريخي بين طهران والرياض من بينها رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم والذي دائماً ما كان يتسم خطابه بالاعتدال إزاء المملكة العربية السعودية مع التسليم بقرابته من إيران.
حيث قال عبر بيان رسمي: "نرحب باتفاق السعودية وإيران على إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما"، مشيراً إلى أن "اتفاقاً مثل هذا، سيسهم بشكل فعّال في استقرار المنطقة وقوتها، مجنباً إياها سلبيات الخلافات التي تحدث بين الدول المؤثرة فيها".
وأضاف الحكيم: "نستذكر الجهود الحثيثة التي بذلها العراق في لعب دور إيجابي، لإنجاز هذا التقدم في العلاقة بين البلدين العزيزين، وهو مصداق لتمتع العراق بمقومات عديدة تؤهله ليكون جسراً لربط المصالح، بما ينعكس إيجاباً على مصالحه".
مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، الذي ينحدر من "قوات بدر"، أبدى موقفاً أيضاً من بيان بكين مؤكداً أن "الحوار الدبلوماسي هو الخيار الأمثل لحل النزاعات بين الأصدقاء".
وقال في تغريدة له: "نثمن الجهود العراقية والعمانية والصينية التي تُوّجت بالاتفاق التاريخي بين السعودية وإيران، وإننا على يقين كامل، بالانعكاسات الإيجابية الكبيرة لهذا الاتفاق على العراق والمنطقة والعالم أجمع".
فضح خطاب المليشيات
ويرى مراقبون أن المليشيات المدعومة إيرانيا في اليمن ولبنان والعراق سوف تستمر في التصعيد على المستوى الإعلامي في محاولة لعدم خسارة أتباعها بعد أن استفاقت على تحول جديد في المنطقة.
وحول تداعيات الاتفاق على المليشيات، قال السياسي اليمني محمد أنعم في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، إن "الاتفاق السعودي الإيراني فضح الدور الإرهابي والعبثي الذي تؤديه هذه المليشيات بإسقاط بلدانهم من الحسابات والترتيبات الإقليمية".
وأضاف أنها "حولت دولا كاليمن ولبنان والتي كان لها وزنها كأطراف إقليمية إلى مجرد ملفات هامشية بين الدول الإقليمية الكبرى".
وعن موقف مليشيات الحوثي في اليمن، قال أنعم إن الاتفاق فضح بالفعل خطابات زعيم مليشيات الحوثي الذي ظل لسنوات يلفق التهم للسعودية كما أسقط كل المضامين التي كان يروجها عبدالملك الحوثي في مسعى لفرض اشتراطاته.
وتابع: "أسقط الاتفاق السعودي الإيراني مطالب عبد الملك الحوثي مؤخرا والذي حاول من خلاله أن يوهم الناس بأنه يفرض اشتراطات على السعودية، إذ كشف الاتفاق عن غباء مستفحل يعاني منه الحوثي".
كما "قدم الاتفاق السعودي الإيراني تأكيدا جديدا على صواب معركة اليمنيين للدفاع عن جمهوريتهم وشرعيتهم المستمدة من إرادة الشعب باعتماد الحوار كخيار لحل المشاكل ورفض العنف والقوة الذي تتمسك به مليشيات الحوثي"، وفقا للسياسي اليمني.
خضوع الأتباع
من جانبه، قال المحلل السياسي اللبناني، فادي عاكوم، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن القوى الموالية لإيران وليس فقط في الداخل اللبناني، بل أيضا داخل سوريا والعراق كانت تستبعد أي اتفاق مع المملكة العربية السعودية".
واعتبر ذلك "أمرا طبيعيا كون تلك القوى مجرد أدوات تابعة، وليست صاحبة قرار".
وأضاف: "طهران تتعاطى مع هذه القوى أنها تابعة وليست صاحبة قرار، حتى لو منحتها الدعم المادي واللوجستي والسياسي"، مشيرا إلى أن "القرار لا يتعلق بالفروع لكن بالأصل، حيث إن الحرس الثوري الإيراني أجبر أذرعه في المنطقة على الخضوع للخطة السياسية الجديدة المقبلة".
وتابع: "القرار الإيراني بإعادة العلاقات مع السعودية هو قرار استراتيجي إقليمي يتشابك مع التحولات الإقليمية، لاسيما وأن الصين هي الراعي الرسمي لهذا الاتفاق".
واعتبر أن "قواعد اللعبة تتغير، وسينعكس الأمر على الأرض، حيث إن الأذرع والقوى التابعة لإيران ستشعر بالضعف خلال الفترة المقبلة كون أحد الشروط الأساسية التي بسببها وافقت السعودية على التهدئة، هو عدم التدخل أو المساس بأمن السعودية ومنطقة الخليج"، وفقا للخبير اللبناني، الذي نبه إلى أن التيارات والأحزاب المسلحة التابعة للحرس الثوري الإيراني كانت تقتات من التوتر الحاصل بين المملكة وإيران، في توفير مصادر تمويلها؛ لذا ستتأثر اقتصاديا بشكل كبير.
ويستطرد: "باتت هذه التيارات والأحزاب وبينها حزب الله، لا دور أساسيا لها إلا في الحفاظ على مواقعها الحالية الموجودة فيها، وقدرته على استقطاب عناصر جديدة".
من جهته، قال ريشار داغر الخبير الاستراتيجي اللبناني، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إنه لا يمكن تصور أن تعلم إيران، حزب الله مسبقا بفحوى ما يحصل من نقاشات واتفاقات تتعلق بعمقها الاستراتيجي، فهي مجرد أداة".
وأضاف: تبين اليوم أن بعض القوى السياسية في الداخل اللبناني مجرد أدوات ولاعبين صغار في اللعبة الدولية الكبرى وأدوارهم لا تسمح لهذه القوى الكبرى بإعلامهم عن المشاريع والمخططات والاتفاقات التي تعمل على إنجازها، هذا الأمر ينطبق على إيران مع أصدقائها أو حلفائها في لبنان وينطبق على الفريق الآخر.