غزو الحشرات.. التداعيات المناخية تهدد المحاصيل الزراعية المصرية
التغيرات المناخية أوجدت العديد من الحشرات التي لم تكن معروفة في مصر، وارتفاع درجات الحرارة في أسيوط وفر بيئة صالحة للبعوض الاستوائي.
قد تسمع البعض يتحدث عن تعرض بلاده للغزو فتظن أن جيوش دولة ما قامت باحتلال أرضه، ولكنك ستتعجب إذا علمت أن هذا المُحتل الآثم هو مجرد حشرات ضئيلة، اضطرت تحت ضغط التغيرات المناخية للهجرة إلى بلاد أخرى بحثا عن الطعام، وهو ما حدث بالفعل في بعض المدن المصرية، حيث أظهرت عدد من الدراسات المتخصصة بالوراثة الخلوية، التي أجرى فريق من علماء جامعة أسيوط بها، أن التقلبات المناخية وحالة الاحترار التي يشهدها العالم أسهمت بشكل كبير في زيادة أنواع من البعوض واختفاء أنواع أخرى، وأن تلك الحالة المضطربة أسهمت في وجود حياة بيئة جديدة لم يعتد عليها السكان الذين تعرضوا لذلك، وهو ما أوجد أمراضا جديدة لم تكن معروفة أو منتشرة بهذا الشكل.
وقد أظهر العلماء الكثير من الحالات التي رصدوها خلال العامين الأخيرين، والتي تؤكد تعرض بعض مدن جنوب مصر، خاصة في محافظات أسيوط وقنا والأقصر، لغزو من الحشرات الضارة، والتي اضطرت للجوء إلى مصر تحت ضغط التقلبات المناخية، وحالة الاحترار التي يشهدها العالم، والذي أسهم بشكل كبير في زيادة أنواع من الحشرات، واختفاء أنواع أخرى، وهو ما أوجد أمراضا جديدة لم تكن معروفة أو منتشرة بهذا الشكل.
بعوضة "النمر الآسيوية"
"كان للتغيرات المناخية الكثير من التأثيرات السلبية على صعيد مصر، فقد أدت زيادة درجات الحرارة إلى وجود العديد من الحشرات التي لم تكن معروفه من قبل".. بتلك الكلمات الحاسمة بدأ الدكتور أحمد محمد كريم علي أستاذ علم الحشرات بكلية العلوم جامعة أسيوط، موضحا أن بعض قرى ومدن محافظة أسيوط على سبيل المثال، شهدت زيادة مطردة من أحد أنواع البعوض الاستوائية، خاصة من النوع "الزاعجة المنقطة بالأبيض" أو بعوضة "النمر الآسيوية" في البيئة المصرية لأول مرة، على الرغم من أن موطنها الأصلي المناطق شبه الاستوائية في جنوب شرق آسيا، وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى ظهور أمراض فيروسية جديدة تنتمي لعائلة "أربوفيروس" أو الفيروسات المنقولة، والتي تنتقل بواسطة نواقل من مفصليات الأرجل، وتكاثر وانتشار تلك المفصليات الممثلة في البعوضة الآسيوية كانت نتيجة تغير مناخي أدى لوجودها في بيئة لم تكن بيئتها.
الأكثر من ذلك، وطبقا للدكتور أحمد محمد كريم، لاحظ الباحثون مدى تأثير التغيرات المناخية على الحشرات بشكل عام، ففي الآونة الأخيرة غزت بعض أنواع النحل الأراضي المصرية، وكان من أهم تلك الأنواع نحلة العسل القزمة (DB)، Apis florea Fab، والتي تستوطن بشكل رئيسي جنوب شرق آسيا "تايلاند"، والجزء الشمالي الشرقي من الهند، والصين، ونتيجة التغيرات المناخية تم رصد تلك النحلة في بعض أجزاء من شرق مصر، وأنه من المتوقع أن تغزو DB مناطق مصرية أخرى، وقد أثبت ذلك بحث مشترك بين جامعات الفيوم ودمنهور والعريش، نجاح عملية غزو هذا النوع من النحل حوض النيل.
غزو نحلة العسل
وأضاف أستاذ علم الحشرات بكلية العلوم جامعة أسيوط: "الأخطر في عمليه غزو نحلة العسل قدرتها علي الانتقال من حوض النيل إلى منطقة البحر المتوسط كله، فقد تنبأ البحث الثلاثي لجامعات الفيوم ودمنهور والعريش، بقدرة DB على الانتشار عبر مصر، منها نحو مناطق معينة في أفريقيا وجنوب أوروبا خاصة إسبانيا والبرتغال عبر المغرب من خلال تحليل برمجي لنمذجة توزيع الأنواع، مع المتغيرات البيئية للظروف الحالية والمستقبلية، خلال عام 2050 حتى عام 2070".
- مجلس الإمارات للعمل المناخي يعقد اجتماعه الأول في 2024.. أهداف طموحة
- «العين الإخبارية» ترصد المأساة.. مبيدات مغشوشة تهدد موسم المانجو بمصر
لكن السؤال الأهم، لماذا الحشرات تحديدا دونا عن بقية الكائنات الأخرى؟ الحشرات تشكل الشكل الأكثر تنوعا للحياة الحيوانية في النظام البيئي لكوكب الأرض، وأغلب أنواعها هي مكونات غير ضارة، بل أساسية للنظام البيئي وللطبيعية بشكل عام، ولأنها من ذوات الدم البارد فإن معدلات العمليات الفسيولوجية الرئيسية في دورة حياة كل منها تحددها الظروف البيئية التي تعيش فيها، وتُعد درجات الحرارة ومعدلات هطول الأمطار أهم تلك الظروف البيئة، ما يعني أن أي تغيرات مناخية ستؤثر عليها بشكل مباشر، خاصة أن الحشرات تعيش دورة حياة صغيرة جدا، ولديها درجة خصوبة مرتفعة، ومساحات كبيرة للحركة.
فقد السيطرة على منافذ الحجر الزراعي
الكثير من الحشرات حساسة للظواهر الجوية القاسية مثل الجفاف، موجات الحر، نوبات البرد، نتيجة التغيرات المناخية، وأغلب تلك الحشرات تتأثر وتؤثر علي البيئة المحيطة"، هكذا علق الدكتور أيمن محيي الدين مدير المتحف المرجعي للحشرات بمعهد بحوث وقاية النباتات بوزارة الزراعة المصرية، الذي أكد أن أخطر ما يمكن أن يؤذي مصر هو حالة الاضطرابات للدول المجاورة لمصر، لأنها في تلك الحالة تفقد السيطرة على منافذ الحجر الزراعي المقابلة.
وهو ما حدث في عام 2019، إذ حصل غزو حشري من جنوب مصر، تحديدا من السودان، حيث غزا نوع من الحشرات الغازية، حشرة دودة الحشد الخريفية، غزو مصر، أو دودة القطن المتلفة للمحاصيل، وهي نوع من رتبة حرشفيات الأجنحة ذات القدرة التدميرية لمجموعات كبيرة من المحاصيل، مما يسبب ضررا اقتصاديا كبيرا، لذا أُطلق عليها الاسم اللاتيني "frugiperda" أي متلفة الفاكهة.
وقد أظهرت الكثير من الأبحاث أن حشرة دودة الحشد الخريفية لديها قدرة كبيرة على تدمير المحاصيل، وأن الدراسات العلمية أثبتت بالفعل قدرتها على إفساد أكثر من 353 عائلا نباتيا، والأكثر من ذلك قدرتها الفائقة على التكاثر، لذا وبمجرد رصد تلك الحشرة الضارة بدأ الباحثون والعلماء المتخصصون في التعامل معها، حيث تم إجراء البحوث والدراسات العلمية.
وقد تمت مناقشه تلك البحوث في ورشة عمل متخصصة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وطيلة خمس سنوات من 2019 حتى 2023 تم عمل مجهود علمي ضخم، ليس لمنع الحشرة من دخول مصر، فهذا يُعد أمرا مستحيلا، وإنما القدرة على تحجيم الأضرار التي تسببها تلك الحشرة، وهو ما تم بالفعل.
aXA6IDE4LjIyMi4xNjQuMTc2IA== جزيرة ام اند امز