الأمم المتحدة وحوكمة الذكاء الاصطناعي.. سباق مع الزمن لضبط التكنولوجيا

تحوّل الذكاء الاصطناعي خلال العقد الأخير من مجرد تقنية ناشئة إلى ركيزة أساسية تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي.
ليس ذلك فقط، بل إنه أعاد تعريف طبيعة العمل، وأثّر في مسارات السياسة والأمن. فمن روبوتات المحادثة والتطبيقات الطبية إلى أنظمة المراقبة والأسلحة الذكية، أصبح الذكاء الاصطناعي لاعباً محورياً في حياتنا اليومية. هذه الطفرة السريعة دفعت الأمم المتحدة إلى دق ناقوس الخطر، والعمل على إنشاء منظومة عالمية لحوكمة هذا القطاع بما يضمن أن تبقى فوائده في خدمة البشرية، ويُحدّ من مخاطره المتنامية.
دوافع أممية واضحة
أول هذه الدوافع هو حماية الحقوق والكرامة الإنسانية، إذ يشكل الاستخدام الواسع للذكاء الاصطناعي في المراقبة والتعرف على الوجوه تهديداً مباشراً لحقوق الإنسان الأساسية، مثل الحق في الخصوصية والحق في المساواة. وكثير من الخوارزميات أظهرت انحيازاً ضد فئات معينة، ما أثار قلقاً من ترسيخ أشكال جديدة من التمييز. الأمم المتحدة ترى في الحوكمة إطاراً ضرورياً يحمي الأفراد من هذه الانتهاكات.
كما أن ردم الفجوة الرقمية بين الشمال والجنوب هو من بين الدوافع الأساسية. فبينما تقود الولايات المتحدة والصين سباق تطوير الذكاء الاصطناعي، تكافح الدول النامية لتأمين أبسط البنى التكنولوجية. وهذا التفاوت يهدد بتعميق الفجوة الاقتصادية والاجتماعية بين الشمال الغني والجنوب الفقير. لذلك، تضع الأمم المتحدة نصب عينيها بناء آليات لضمان نقل التكنولوجيا والمعرفة بشكل أكثر عدالة.
ومن بين الدوافع الأخرى، تعزيز السلم والأمن الدوليين. ويشكل استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة أسلحة ذاتية التشغيل خطراً غير مسبوق على الأمن العالمي. فهذه الأنظمة قادرة على اتخاذ قرارات بالقتل دون تدخل بشري مباشر. علاوة على ذلك، تتنامى الهجمات السيبرانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ما يهدد البنى التحتية الحيوية للدول. والأمم المتحدة تدعو إلى اتفاقيات دولية مشابهة لمعاهدات نزع السلاح النووي لضبط هذه المخاطر. ويوفر الذكاء الاصطناعي فرصاً لزيادة الإنتاجية وخفض التكاليف، لكنه في المقابل قد يؤدي إلى فقدان ملايين الوظائف التقليدية. فإذا لم تُدار هذه التحولات ضمن سياسات عادلة، قد تنشأ أزمات بطالة وعدم استقرار اجتماعي. وتسعى المنظمة إلى صياغة سياسات عالمية تدعم التدريب المهني وإعادة تأهيل العمالة.
جهود الأمم المتحدة
وأطلقت الأمم المتحدة عدة مبادرات، منها "المجموعة الاستشارية رفيعة المستوى للذكاء الاصطناعي" التي تضم خبراء عالميين لتقديم توصيات سياسية وأخلاقية. كما تعمل عبر "اليونسكو" على وضع معايير تعليمية وأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي.
وتدرك الأمم المتحدة أن الشركات العملاقة مثل مايكروسوفت وغوغل وآي بي إم تمتلك نفوذاً كبيراً في هذا القطاع، لذا تحرص على إشراكها في الحوارات الدولية لضمان التزامها بمعايير أخلاقية وإنسانية.
وتصدر تقارير دورية تستعرض التطورات العالمية في الذكاء الاصطناعي، وتقيّم المخاطر المحتملة، وتسلط الضوء على قصص نجاح في توظيف التقنية لخدمة التنمية المستدامة.
وتتعاون الأمم المتحدة مع الاتحاد الأوروبي، الذي أقرّ أول تشريع عالمي شامل للذكاء الاصطناعي، ومع الاتحاد الأفريقي الذي يركز على بناء قدرات دول القارة لمواكبة الثورة التقنية.
أما عن مواقف الدول الكبرى، فالولايات المتحدة تسعى إلى فرض نهج مرن يتيح للشركات الابتكار دون قيود صارمة، لكنها تواجه انتقادات داخلية وخارجية بسبب بطء تنظيم القطاع. وواشنطن ترى أن أي لوائح مشددة قد تعيق تفوقها التكنولوجي في مواجهة الصين.
وتعتمد الصين في المقابل نهجاً مغايراً، إذ تستثمر بكثافة في الذكاء الاصطناعي وتوظفه لتعزيز الرقابة الداخلية وإدارة المدن الذكية. بكين تدعو إلى "حوكمة مرنة" لكنها ترفض أي إطار دولي قد يقيّد سيادتها التقنية.
وتركز روسيا على الاستخدامات العسكرية والتطبيقات الأمنية، وتتعامل بحذر مع الدعوات الأممية لضبط الأسلحة الذاتية التشغيل، مفضلة أن تظل هذه المسألة خارج الرقابة الدولية.
ومن جهته، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة سباقة بإقرار "قانون الذكاء الاصطناعي"، الذي يضع معايير صارمة لحماية الحقوق والحريات. هذا التوجه يجعله حليفاً أساسياً للأمم المتحدة في جهودها التنظيمية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTEg جزيرة ام اند امز