«الفيل» و«الحمار» على خط واحد.. الذكاء الاصطناعي يربك السياسة الأمريكية
بينما يتصاعد الغضب الشعبي في أمريكا تجاه الذكاء الاصطناعي، ينقسم قادة الأحزاب الأمريكية حول كيفية توجيه تلك المخاوف المتزايدة.
هذا الغضب تحول إلى قضية سياسية قد تعيد تشكيل الصراع الحزبي بين الديمقراطيين والجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي المقبلة 2026.
ومع توسع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، خاصة مراكز البيانات، بدأت مخاوف الأمريكيين تتزايد بشأن فقدان الوظائف، وارتفاع تكاليف الطاقة، وتضخم نفوذ شركات التكنولوجيا العملاقة، وهو ما خلق فرصة سياسية غير مسبوقة، وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
ولم تعد هذه المخاوف محصورة في النخب أو الأوساط التقدمية، بل أصبحت ظاهرة شعبية واضحة، كما يظهر في الاحتجاجات المحلية ضد بناء مراكز البيانات في ولايات متعددة مثل ميشيغان وفيرجينيا وويسكونسن.
وحتى المنشورات البسيطة لمسؤولين ديمقراطيين على وسائل التواصل الاجتماعي باتت تجذب تعليقات غاضبة تطالب بوقف مشروعات الذكاء الاصطناعي.
وداخل الحزب الديمقراطي (يرمز له بالحمار)، يدور انقسام حاد حول كيفية التعامل مع هذه القضية حيث يرى الجناح التقدمي، بقيادة شخصيات مثل السيناتور بيرني ساندرز، أن تبني موقف صريح وعدائي تجاه الذكاء الاصطناعي يمكن أن يشكل أساسًا لسياسة شعبوية اقتصادية جديدة، تحمل "مليارديرات التكنولوجيا" مسؤولية تدهور أوضاع الطبقة الوسطى والعمال.
ويعتبر هذا الفريق أن التردد أو الاكتفاء بتنظيم محدود للقطاع سيكلف الحزب سياسيًا، ويترك فراغًا قد يملؤه الجمهوريون.
وتدعم هذا التوجه أرقام استطلاعات الرأي التي تُظهر أن الذكاء الاصطناعي يعد من أقل القضايا شعبية لدى الأمريكيين حيث تطالب أغلبية ساحقة من المواطنين بتنظيمه حتى لو أدى ذلك إلى إبطاء نموه، في حين تعتقد نسبة ضئيلة فقط أنه سيعود بفائدة إيجابية على البلاد خلال العقود القادمة.
ويعتقد بعض الاستراتيجيين الديمقراطيين أن هذا الرفض الشعبي الواسع يمثل فرصة نادرة لتوحيد قاعدتين انتخابيتين عادة ما يصعب جمعهما، هما العمال المتضررون من ارتفاع تكاليف الطاقة، والموظفون القلقين من فقدان وظائفهم لصالح الذكاء الاصطناعي.
في المقابل، يحذر جناح آخر داخل الحزب الديمقراطي، يضم سياسيين مقربين من قطاع الأعمال ومراكز أبحاث وسطية، من أن التحول إلى "حزب معادٍ للذكاء الاصطناعي" قد يكون خطأ استراتيجيًا.
ويرى هذا الفريق أن الذكاء الاصطناعي أصبح محركًا أساسيًا للنمو الاقتصادي الأمريكي، وأن معاداته الصريحة قد تنفر المستثمرين، والعاملين في قطاع التكنولوجيا، وحتى بعض الناخبين الذين يرون في التكنولوجيا فرصة لا تهديدًا.
كما يعتقد هذا الفريق أن المشكلة ليست في التكنولوجيا نفسها، بل في غياب تنظيم ذكي ومتوازن.
ويعكس هذا الانقسام أزمة أعمق داخل الحزب منذ انتخابات 2024، بين فريق يعتقد أن الخسارة كانت نتيجة الابتعاد عن الوسط، ومن يرى أنها بسبب الفشل في تبني خطاب شعبوي اقتصادي واضح.
ولا يقتصر الجدل على الديمقراطيين، فالحزب الجمهوري (يرمز له بالفيل) يشهد بدوره صعود تيار متشكك في الذكاء الاصطناعي، وإن كانت دوافعه مختلفة.
بعض الجمهوريين، مثل حاكم فلوريدا رون ديسانتس، يركزون على الأثر السلبي لمراكز البيانات على تكاليف الطاقة في حين ينطلق آخرون، مثل ستيف بانون وجوش هاولي، من خطاب شعبوي يميني يرى في وادي السيليكون مركزًا خطيرًا لتراكم السلطة والنفوذ.
ورغم اختلاف الخلفيات الأيديولوجية، إلا أن النتيجة واحدة وهي تزايد الشك في الذكاء الاصطناعي داخل الحزبين الأمر الذي قد يترتب عليه سباق سياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين لتبني خطاب أكثر عدائية تجاه الذكاء الاصطناعي.
وستزداد حدة السباق إذا بدأت الآثار الاقتصادية السلبية للذكاء الاصطناعي بالظهور بشكل أوضح في حياة الناس اليومية مثل ارتفاع فواتير الكهرباء، أو فقدان واسع للوظائف وهو ما قد يحول هذه القضية من نقاش نخبوي إلى عامل حاسم في صناديق الاقتراع.
أخيرا، أصبح الذكاء الاصطناعي رمزًا لصراع أوسع حول مستقبل الاقتصاد الأمريكي وسط تساؤلات حول من يدفع ثمن التقدم التكنولوجي، ومن يجني ثماره.
وبينما تحاول القيادات الحزبية الموازنة بين مصالح الشركات العملاقة وغضب الناخبين، يزداد الضغط الشعبي، ما يجعل من الصعب تجاهل هذه القضية طويلًا وسيحصد الحزب الذي ينجح في تقديم خطاب مقنع يجمع بين حماية الناس وتنظيم التكنولوجيا مكاسب سياسية كبيرة في السنوات المقبلة.