لتنقية الهواء.. باحثة تحول أزمة ورد النيل إلى فرصة صناعية (خاص)

أعطت مبادرة تعميق التصنيع المحلي التي تتبناها الدولة المصرية دفعة قوية لمنتج بحثي محلي لتنقية الهواء باستخدام مخلفات ورد النيل.
واختير المنتج، الحاصل على براءة اختراع من مكتب البراءات المصري، ضمن المنتجات التي يتم الترويج لها في إطار مبادرة "بديل المستورد"، التي أطلقها المركز القومي للبحوث في مصر، بالتزامن مع إطلاق المبادرة الوطنية.
وتقول د.إلهام فاروق، أستاذة التحكم في ملوثات الهواء بقسم بحوث تلوث الهواء بمعهد بحوث البيئة والتغيرات المناخية بالمركز القومي للبحوث وصاحبة الاختراع لـ"العين الإخبارية: "نعول آمالا كبيرة على هذه الدفعة للمنتجات المحلية، كي يتحول أحد المخلفات التي تعاني منها مصر وكثير من الدول المطلة على نهر النيل إلى فرصة استثمارية، ويصبح المنتج جاهزا للمرحلة الصناعية بعد تطويره من نموذج أولي إلى نصف صناعي، ثم صناعي كامل".
وقد أعدت فاروق النموذج الأولي ضمن إجراءات الحصول على البراءة، وجربته داخل حظيرة لتربية المواشي في إحدى المناطق الريفية، وأظهرت التجارب نتائج واعدة، وتسعى الباحثة للحصول على تمويل لإنتاج النموذج نصف الصناعي والصناعي.
وتشير دراسة جدوى أعدتها الباحثة قبل شهرين بالتعاون مع إدارة التسويق بالمركز إلى أن المنتج يتمتع بفرص تسويقية كبيرة. وتشير الإحصاءات إلى أن حجم السوق العالمي لأجهزة تنقية الهواء بلغ 16.54 مليار دولار عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 29.65 مليار دولار بحلول 2033، ما يعكس فرصا استثمارية واعدة في مصر ومنطقة وادي النيل، حيث توجد كميات ضخمة من هذا النبات غير المرغوب فيه، والذي يصفه الخبراء بـ"السرطان المائي".
أكثر من مجرد أزمة محلية
ويؤدي هذا النبات الغازي إلى فقدان مصر نحو 3.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا عبر زيادة معدلات التبخر، أي ما يعادل قرابة 4% من حصة مصر من نهر النيل. وأظهرت دراسة بدورية "ووتر ساينس" في فرع رشيد أن مقدار النتح في المناطق المغطاة بالنبات يراوح بين 1.5 إلى 3.2 ضعف التبخر الطبيعي خلال فصلي الشتاء والصيف على التوالي.
وفي أفريقيا، تتكرر الأزمة؛ ففي إثيوبيا يغطي ورد النيل أكثر من 3,200 كلم² من سطح بحيرة تانا، ويتسبب في خسارة سنوية ضخمة في موارد المياه، تُقدر بنحو 52.62 كيلومتر مكعب سنويًا، وفق دراسة نشرت بدورية "إكستريم هايدرولوجي آند كلايمت فاريابيليتي".
وفي غرب أفريقيا، يزحف ورد النيل على بحيرة نوكو في بنين، مهددًا موارد المياه ومصادر رزق المجتمعات المحلية، إذ تشير دراسة نشرت بدورية "فونتيرز" إلى أنه يتسبب في خسائر اقتصادية تقدر بـ84 مليون دولار سنويًا في مدينة كوتونو وحدها، أي ما يعادل نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي للمدينة.
وتكشف هذه الأرقام أن انتشار النبات لم يعد مجرد أزمة بيئية محلية، بل أصبح تحديا يهدد الأمن المائي والاقتصادي، مما يزيد من قيمة الحلول القائمة على تحويله إلى منتجات مفيدة، ومنها فلتر لتنقية الهواء.
وتوضح فاروق أن منتجها عبارة عن جهاز يستخدم مجموعة من الفلاتر المصنوعة من الألياف الزجاجية والإسفنج وورد النيل، حيث يمر الهواء خلالها لتتم تنقيته من غاز الأمونيا.
واستخدمت الباحثة تقنية التحفيز الكيميائي بالفوسفوريك (H3PO4) لإنتاج فحم نشط من مخلفات قش الأرز، وروث الأبقار، وورد النيل، وقارنت أداء الفحم النشط من هذه المخلفات في تنقية الهواء.
وأظهرت النتائج أن الفحم النشط المصنوع من ورد النيل حقق أعلى مساحة سطحية بلغت 1200 م²/غ، مقارنة بفحم قش الأرز 900 م²/غ وفحم روث الأبقار 700 م²/غ، ما جعله الأكثر كفاءة في امتصاص الأمونيا بنسبة تصل إلى 70%، مقابل 60% و55% على التوالي.
وتضيف فاروق: "بناء على هذه النتائج، طورنا فلتر هواء جديد يعتمد على فحم ورد النيل النشط، وتم اختباره داخل حظيرة أبقار لإزالة الأمونيا من الهواء، حيث أظهر قدرة فعالة على التنقية خلال فترة التجربة التي استمرت 15 يوما".
وتسعى الباحثة مستقبلا لتطوير فلتر الهواء ليكون قادرا على التعامل مع مجموعة متنوعة من الملوثات، بما في ذلك الكائنات الدقيقة والفيروسات.
كما أوضحت أن النموذج الاقتصادي للمنتج يقوم على بيع الجهاز كمنتج أساسي مع توفير فلاتر بديلة قابلة للاستبدال، إلى جانب إنتاج الفحم النشط من ورد النيل لاستخدامات أخرى.