«ثورة Airbnb» تغير ملامح المدن الفرنسية.. ازدهار سياحي وأزمة سكن

تحول بسيط في نمط الإيجار قد يبدو في ظاهره غير ذي أهمية، كأن يؤجر شخص شقته لبضعة أيام عبر منصة سياحية، لكنه على المدى البعيد غير وجه مدنٍ فرنسيةٍ بكاملها.
ومن نيس إلى لا روشيل، يجد السكان أنفسهم اليوم وسط تحول عمراني واجتماعي عميق سببه نموذج السياحة الجديد الذي فرضته منصة Airbnb، والذي يدفع البلديات والمجتمعات السكنية إلى البحث عن سبلٍ عاجلةٍ لتنظيمه، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
دراجة زرقاء صغيرة.. رمز لمعركة كبيرة
على ميناء مدينة لا روشيل، تتدلى مجموعة من صناديق المفاتيح المعدنية من دراجة أطفال زرقاء اللون بالكاد أكبر من دراجة توازن. هذه الدراجة، المربوطة بقفل إلى أحد الأقواس المعدنية، أصبحت رمزًا للمواجهة بين بلدية المدينة وأصحاب الإيجارات القصيرة عبر "إير بي إن بي".
صاحبها، جان-أنطوان مونشو، وهو مدير شركة خدمات ضيافة يدير 27 شقة مؤجرة عبر Airbnb في المدينة، يشرح فكرته قائلاً: "اخترت هذه الطريقة لأن صناديق المفاتيح في بعض البنايات تُزال باستمرار، أما الأقفال الذكية فلا تناسب جميع الأبواب".
وينقل مونشو الدراجة بانتظام بين الشقق لتسهيل تسليم المفاتيح للضيوف، لكن فكرته لم تمرّ مرور الكرام: إذ صادرت البلدية الدراجة مؤخرًا بعد أن اعتبرتها رمزًا للفوضى في سوق الإيجارات السياحية.
بلديات غاضبة وسكان يطالبون بالعدالة السكنية
ونشرت نائبة رئيس بلدية لا روشيل، ماري نيدليك، صورة الدراجة على حسابها في "إنستغرام" خلال الصيف، وعلقت قائلة: "هذا المشهد يجسد نموذجًا سياحيًا يحوّل المساكن النادرة التي يحتاجها السكان إلى بيوت عطلات، في نظام يحاول باستمرار التحايل على القوانين".
الواقعة تعكس انقسام المجتمع المحلي
من جهة، السكان الذين يطالبون بتنظيم صارم للسوق، مدعومين بجمعيات الدفاع عن الحق في السكن وحملات "ضد السياحة المفرطة" و"ضد الضوضاء".
ومن جهة أخرى، المالكون والمستثمرون الذين يرون في هذه الإيجارات فرصة مشروعة لزيادة الدخل والمساهمة في الاقتصاد المحلي عبر الضرائب والسياحة.
أرقام قياسية تثير القلق
وتقدّم الإحصاءات صورة لمدى التوسع الهائل في الإيجارات السياحية القصيرة في فرنسا، ففي أواخر عام 2025، تُظهر بيانات شركة AirDNA أن منصة Airbnb وحدها تضم: أكثر من 54200 إعلان نشط في باريس، و10700 في مرسيليا، و10100 في نيس، و5600 في ليون، و4,500 في تولوز.
هذه الأرقام تمثل طفرة سياحية واقتصادية، لكنها أيضًا جرس إنذار اجتماعي مع استمرار تراجع المساكن المتاحة للسكان المحليين وارتفاع الأسعار في الأسواق العقارية.
بين الازدهار والاختناق
قصة الدراجة الزرقاء في لا روشيل ليست سوى مشهد مصغّر من معركة أوسع تدور في مدن فرنسا: كيف يمكن تحقيق توازن بين اقتصاد السياحة المزدهر والحق في السكن اللائق؟
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODYg
جزيرة ام اند امز