خبراء وشعراء يتحدثون لـ"العين" عن "الشعر النبطي".. أداة لتوثيق تراث الإمارات
الشعر النبطي يحتل مكانة مهمة في دولة الإمارات، لارتباطه بالحياة اليومية للعرب، وقدرته على التعبير عن المجتمع والتراث الإماراتي.
"لا بد من الحفاظ على تراثنا القديم لأنه الأصل والجذور.. وعلينا أن نتمسك بأصولنا وجذورنا العميقة".
وحدها كلمات المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لا أجد سواها لأبدأ بها سطوري المقبلة التي تحمل معها عبق الأصالة ورائحة التاريخ والتراث، الذي يحرص على توثيقه والحفاظ عليه الإماراتيون تنفيذًا لوصية أجدادهم وآبائهم.
ولعل الشعر النبطي أو الشعبي يحتل مكانة مهمة في دولة الإمارات، لأسباب متعددة، منها ارتباطه بالحياة اليومية للعرب، وقدرته على التعبير عن المجتمع وعلاقة الفرد به وبالقبيلة، ولأنه يمثل تعبيرًا صادقًا عن العادات والتقاليد في المجتمع، لأنه يستخدم لهجة المكان وسكانه منظومة في أبيات موزونة، بل إنه يعتبر عنصرًا أساسيًّا في الاحتفالات والمناسبات الدينية والاجتماعية، إضافة إلى رصده الحياة اليومية في الماضي بما فيها البيئات الثلاث؛ البحرية والصحراوية أو البدوية والجبلية.
وقد لا يعرف البعض أن المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، اشتهر بقدرة فريدة على نظم الشعر النبطي وتذوقه، بل كان يهتم بالشعراء، ويقيم مجالس لهم، كما أوصى بعرض إنتاجهم في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.
تلك هي الإمارات قدم في عصر العولمة والتكنولوجيا والتقدم وأخرى في الزمن القديم الذي كتبه الأجداد ورسموا خطاه للأبناء، الذين أصبح شغلهم الشاغل هو الحفاظ عليه وتوثيق تراثهم المجسد في كافة مجالات الحياة، بدءًا بالشعر والأدب مرورًا بالعادات والتقاليد وحتى الحفاظ على بيئاتهم المختلفة.
سطور مقبلة تحمل عطرًا يفوح من أحاديث الأجداد مع نخبة من الباحثين والعاملين والمتخصصين في الشعر النبطي.
فاطمة البناي: الأولى تقدم تراثنا بشكل عصري
لا يمكن أن نتحدث عن هذا النوع من الشعر ولا نلتقي مع فاطمة البناي، مدير إذاعة "الأولى" ومدير المكتب الإعلامي في مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، تلك القناة الإعلامية التي لا تقدم سوى كل ما يتعلق بتراث الإمارات ويأتي على رأسها الشعر النبطي.
فاطمة البناي بدأت حديثها قائلة: "تعتبر إذاعة الأولى واحدة من الخطط التنفيذية والإستراتيجية لرؤية ورسالة وأهداف مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، ووسيلة إعلامية تصل مباشرة إلى شريحة كبيرة من الإماراتيين والمقيمين على حد سواء، أسلوبها عصري وطرحها متجدد ومتنوع وتبث على مدار الساعة مما يجعلنا على تواصل دائم مع مستمعينا، بينما تتبلور أهدافها في حفظ وصون التراث الثقافي غير المادي واستدامته ونشره بين الأجيال.
وتصف البناي الشعر النبطي بأنه أحد أهم أدوات توثيق التراث -والكلام على لسانها- لدينا أدوات أخرى تساعد في التركيز على الجوانب التراثية مثل برنامج "الأولى مع الأولى" الذي يلقي الضوء على الشخصيات البارزة التي كانت علمًا يرفرف في سماء الوطن، وهم من أجيال متعاقبة ومن مناطق عديدة بالدولة عاصروا حقبا متتالية، لذا فمن خلال برامجنا الإذاعية نستشف الكثير من الحقائق والمعلومات التاريخية المهمة.
راشد العصري: الإماراتية أبدعت في الارتجال
راشد العصري؛ أحد المتخصصين في الشعر النبطي، ومقدم برنامج "مزامل"، الذي تحدث عن دور المرأة في هذا النوع من الشعر التراثي قائلاً: لطالما كان حاضرًا بقوة منذ القدم في المنطقة العربية عمومًا، بينما كان للمرأة الإماراتية دورًا حيويًّا ومشهودًا في مجال نظم وارتجال الشعر النبطي، فمثلًا الشاعرة عوشة بنت خليفة تعد من رواد الشعر النبطي بالدولة، وكانت تعرف سابقًا بفتاة الخليج، ومن خلال برنامجنا الذي نقدمه في إذاعة "الأولى" نتلقى الكثير من الأشعار من تأليف الجيل الجديد، ونحن بدورنا نحرص على الرد بشكل بناء، نستخدم فيه أسلوب التحفيز لإيصال رسائل إيجابية للشاعر مع إعطاء بعض الأمثلة والمراجع التي يمكن الاستفادة منها، لأننا نبني أيضًا جيلًا جديدًا، وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار جميع عوامل التغيير التي نشهدها في عصر التكنولوجيا، فالتراث لا يمنع مسيرة التطور والحداثة، بل يعزز من مسيرتها ويضفي لها بعدًا إنسانيًّا وتاريخيًّا واجتماعيًّا ووطنيًّا ويعزز من الهوية الإماراتية.
برديس فرسان خليفة: أطالب بدعم المؤسسات الثقافية له
الشاعرة برديس فرسان خليفة؛ المشرفة على العديد من البرامج الخاصة بالشعر النبطي في إذاعة الأولى التابعة لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، حدثتنا عن أسفها لكون الشعر النبطي أو ما يسمى محليًّا بالشعر الشعبي بدأ فعليًّا بالاختفاء من الساحة الشعرية، نظرًا لعدم توفر الدعم والتشجيع اللازمين لحفظ واستمرارية هذا الإرث الثقافي غير المادي للدولة، ولغياب الشعراء من الأجيال الحديثة.
وتكمل برديس حديثها قائلة: إن الدعم والتوجيه الحقيقي يأتي من تخريج أجيال جديدة متخصصة في هذا اللون الشعري، من المؤسسات الثقافية والإعلامية ومن بعض الجهات الرسمية ممن يتوجب عليهم الإعلان والترويج ونشر الوعي وإحياء الثقافة الشعرية بما يتناسب مع فكر الشباب هذا اليوم، ومثال على ذلك، سعي مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث منذ إنشائه في عام 2013 للمضي قدمًا في هذا المجال، فكان هناك برنامج "البيت" الذي حرص المركز من خلاله على إحياء الشعر النبطي ليس على الصعيد المحلي فقط بل على الصعيد الإقليمي، عبر منصة تصل إلى كافة الشباب والمتلقين من مستخدمي التكنولوجيا الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعي وتحديدا "تويتر"، وتعد هذه فكرة رائدة في العالم لكون المركز حرص على تطويع التكنولوجيا لإحياء التراث.
ومن جهة أخرى ولدت إذاعة "الأولى" التابعة للمركز للتواصل ودعم الشعراء الجدد من خلال برامج متخصصة، وتوفير المساحة الكافية للمحاولة والاستمرار في هذا المجال.
وعن السبيل لحفظ واستدامة الشعر الشعبي أو ما يسمى بالنبطي، ترى برديس أنه يتوجب إدخاله في المناهج المدرسية، وهو ليس بمقترح جديد على الساحة، فهناك العديد من المفكرين والأدباء والشعراء والنخبة المثقفة ممن طالبوا بإدخال الشعر النبطي والتراث عمومًا ضمن المناهج المدرسية.
عبدالرحمن المريسي: الحفاظ على لغة القصيد أحد شروط التجديد
عبدالرحمن المريسي من أهم شعراء الشعر النبطي في الإمارات، خاصة وقد بدأ ينظم قصائده في وقت مبكر من عمره، وصاحب ديوان "بلا سبب"، و"لك الله".
يرى المريسي أن الساحة الشعرية ينقصها التجديد في أفكار القصيدة والصور الشعرية المتداولة التي باتت معروفة وواكبت الحقب الماضية، إلا أننا، حسب قوله، "نعيش حقبة جديدة ويحق لكل شاعر التجديد في لغته وصوره الشعرية مع الحفاظ على أساسيات لغة القصيدة".
ويكمل المريسي حديثه مطالبًا الشعراء الذين يمتلكون قاعدة جماهيرية ولهم يد في تطوير الساحة الشعرية أن يأخذوا بأيدي الشعراء الجدد، ويقومون بتوجيههم بطريقة صحيحة، واختيار الشعراء بشكل عملي يعتمد على اختبار موهبة الشخص ومقدرته بغض النظر عن سنه، وإن كانت القصيدة أكبر من عمر الشخص أو الشاعر، وهذه النقطة مهمة جدًّا لرفع مستوى الساحة الشعرية المحلية.