مهرجان الظفرة لمزاينة الإبل.. بوابة الهوية والتراث الإماراتي
الإمارات واحدة من أكثر الدول العربية انسجامًا اجتماعيًّا وثقافيًّا وتقيدًا بالمحافظة على تراثها والحرص على تخليده.
يشكل التراث محركًا أساسيًا في حياة الشعوب والأمم، بما يحفظه من أواصر الهوية والثقافة التي تجمع غالبية أفراد المجتمع، وتنظم تلاحمهم واعتزازهم بتاريخهم الجامع، في زمن بدأت فيه شعوب تعيش الانقسام والبحث عن الجذور وإيقاظ الهوية الخصوصية، مما أدى بالكثير منها للدخول في صراعات عنيفة شتتت شعوبًا ودولًا بفعل ضعف الروابط الثقافية والتراثية والمحافظة عليها.
ويجمع الباحثون على أن الشعوب الأكثر محافظة على التراث هي أكثر الأمم حظوة في التلاحم والبقاء، بسبب عراقة القيم والحرص على بقائها قائمة تتوارثها الأجيال كميسم وهوية.
وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أكثر الدول العربية انسجامًا اجتماعيًا وثقافيًا، وتقيدًا بالمحافظة على تراثها والحرص على تخليده وتناقله عبر الأجيال، وحرص الدولة على رعاية التراث وصيانته وتعزيز حضوره في الحياة اليومية لشعبها، ومن هذا المنطلق جاءت فكرة "مهرجان الظفرة لمزاينة الإبل" الذي ينطلق هذا الشهر بنسخته الثامنة.
المهرجان الذي انطلق في ديسمبر 2008 شهد مع كل دورة مشاركة منقطعة النظير من داخل الدولة ومن الجوار الخليجي ذي العلاقة الوطيدة بالإبل والتراث العربي، يستقطب المهرجان الآلاف من المشاركين وعشرات الآلاف من قطعان الإبل والملاك، الذين جاؤوا من مختلف مناطق الدولة ودول الجوار الخليجي للمشاركة في واحدة من أكثر الفعاليات أهمية في تراث المهرجان المقرون بالبيرق، ليحمل القطيع ومالكه اللقب الأجمل والأكثر مدعاة للفخر بتزكية خبراء في المقاييس التراثية لجمال الإبل ومتعلقاتها.
وتنتهي المسابقة كل يوم بفائز تنطلق قبيلته ومناصروه في احتفالية تجوب شوارع موقع المزاينة "مزاينة الظفرة" وهي مسابقة المهرجان الرئيسية.
وتحمل الاحتفالية تطورات ملحوظة على صعيد المشاركة والتنظيم وقيمة الجوائز الممنوحة للفائزين في مختلف السباقات، التي تراوحت بين المزاينة الخاصة بالجمال وسباقات الهجن وسباق الكلاب السلوقية وسباق الصيد بالصقور وغيرها من الفعاليات التي طبعت هذه النسخة الثامنة.
شارع المليون حكاية قيم قبل الأرقام
يعتبر شارع المليون أحد أشهر الشوارع على الإطلاق في المنطقة الغربية، حيث تقام سنويًّا فعاليات المهرجان، ويأخذ الشارع الأشهر تسميته من مئات القطعان والعزب (حظائر الإبل) التي تقع على ناحيتي الشارع، وتشهد تدفق المئات من الملاك للإبل لعرض إبلهم الأصيلة والسعي للحصول على أخريات تضاف للقطيع وتحمل البيرق للقبيلة، مما جعله الوجهة المفضلة للراغبين في الشراء والبيع وحتى عقد الصفقات المختلفة.
ولا يتوقف الاسم على الثمن ومقدار المدفوعات، بل يتعداه للنوعيات النادرة والأصيلة من الإبل التي تجوب الشارع أوفي الحظائر المنتشرة على طول خطيه يمينًا ويسارًا، ومقدار التعامل والمحافظة والعناية التي تلقاها من حراسها ورعاتها ومالكيها، وكأنها أفراد من العائلة يحرص على غذائها والجلال التي تحيط جسمها لحمايتها من البرد ولظهورها بزينة تتراوح بين التطريز والألوان وأعلام بلدانها المشاركة كاحتفاء.
ليلة في مضارب البدو
لا يتوقف مهرجان الظفرة كما أسلفنا على مزاينة الإبل فقط او الاختصاص، فاللجنة المنظمة جعلته مهرجانًا تراثيًا جامعًا؛ ليكون وجهة لكل الراغبين في موقع يعبر عن حياة الصحراء والبداوة، فمنطقة المهرجان التي تقدر بعشرات الكيلومترات المترامية الأطراف توفر جوًّا من الحياة البدوية الأصيلة للراغبين في تجربة العيش في أكناف الصحراء، وتحت الخيام أوالحنين لممارسة الحياة البدوية بكل تفاصيلها فوق الرمال الناعمة وتحت الخيام المفتوحة أمام الضيوف، وأمام نار لا تخبو إلا لتشب من جديد، تقدم ضيافة عريقة للضيوف وزوار المجالس الخاصة.
السوق الشعبي التراثي عبق من التاريخ و العطور والبخور
للسوق الشعبي في "مهرجان الظفرة لمزانية الإبل" حضوره وجمهوره الذي لا يكاد يفارقه من الافتتاح وحتى الإغلاق، وهو يجوب شوارعه مستعرضًا المحلات وبضائعها، هناك لن يكون بمقدورك الفكاك من سحر البخور الذي يملأ المكان والروائح الزكية التي تعطر جنبات السوق، وكأنك في ليلة عرس بدوي أصيل بما يمثل البخور والعطر من أهمية في حياة العرب، فهم مَن قالوا قدمًا "إن مَن يشتري بنصف ثروته عطرًا لا يعتبر مسرفًا"، حيث عشرات المباخر التي تنفث أريج دخانها ليعانق الأنوف قبل أن يعانق سماء السوق.
ولا يتوقف السوق على العرب بل يتعداه للأجانب الذين يجوبونه بحثًا عن قطعة مميزة وصناعات تقليدية صنعتها يد ماهرة، فأبدعت منها قطعة فريدة بأبعادها وإيحائها للرائي ليقرأ في سفر الإبداع آخر السطور كما خطها أزميل الإبداع.
السوق الشعبي أيضًا هو فرصة لعشاق الموائد والمطاعم، للتعرف على المائدة الإماراتية والعربية البدوية الأصيلة، من خلال عشرات المطاعم التي انتشرت بالسوق لتقدم للمتذوقين مجانًا أو بيعًا طلباتهم من الطعام والمشروبات المحلية والتراثية لتكتمل حلقات الليلة البدوية في بوابة الربع الخالي "الظفرة" على تخوم مدينة زايد.
aXA6IDE4LjIyNC4zMC4xMTMg جزيرة ام اند امز