التابوت الأخضر.. "العين الإخبارية" تكشف خفايا صاحب المقام الرفيع
في حدث مشهود، استردت مصر 17 قطعة أثرية من الولايات المتحدة الأمريكية، أبرزها التابوت الأخضر الشهير، بعد جهود كبيرة دامت لسنوات.
التابوت الأخضر كان موجودا في متحف هيوستن بالولايات المتحدة، وحظي باهتمام واسع خلال مراسم استلام الآثار العائدة، والتي شهدها وزير الخارجية المصري سامح شكري، ووزير السياحة والآثار الدكتور أحمد عيسى، إلى جانب القائم بأعمال السفارة الأمريكية في القاهرة.
من منطلق الاحتفاء الواسع باسترداد التابوت الأخضر، سعت "العين الإخبارية" إلى معرفة قصة هذا التابوت، وسيرة صاحبه، ودلالات استرداد هذه القطعة بعد سنوات من نهبها.
من صاحب التابوت الأخضر؟
في البداية كشف الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين في وزارة السياحة والآثار المصرية، أن صاحب هذا التابوت هو أحد الكهنة في العصر المتأخر ويُدعى "عنخ إن ماعت"، مرجحًا أن تكون رتبته الدينية كبيرة لأن حجم التابوت كبير ويبلغ طوله 3 أمتار تقريبًا ومصنوع من الخشب.
ودلل "شاكر" في تصريحات لـ"العين الإخبارية" على صحة روايته، بالإشارة إلى أن من يشتري هذا الحجم في العصر المتأخر لا بد أنه "كان شخصية هامة"، كما أن "عنخ إن ماعت" كان قادمًا من مدينة الكوم الأحمر وهي تقع في محافظة أسوان، جنوب مصر وكانت عاصمة الصعيد قبل التوحيد.
وأردف: "غطاء التابوت بالنصوص الموجودة عليه يثبت أن مصر في أقل فتراتها كانت محافظة على مستواها الاقتصادي".
ونوه "شاكر" بأن اسم "عنخ إن ماعت" يعني "العائش في الحقيقة" و"هو اسم ديني والنصوص المكتوبة على الغطاء خاصة بالعالم الآخر وتساعده في الحياة الأخرى.
من جانبه قال عالم المصريات بسام الشماع، لـ"العين الإخبارية"، إن ضخامة غطاء التابوت، الذي يزن 500 كجم، تشير إلى أن صاحبه لم يكن رجلًا عاديًا. وأضاف: "هناك 3 احتمالات، إما كان قويًا في البلاط الملكي، أو قويًا داخل البلاط الديني، أو كان غنيًا وثريًا وله علاقة قوية بالحاكم، ومن الممكن أن تكون هذه الاحتمالات الثلاثة صحيحة".
سر اللون الأخضر
وأوضح الدكتور مجدي شاكر، أن اللون الأخضر يمثل قيمة أو رمزًا دينيًا، مضيفا أن "المصري القديم كان يلوّن الوجه بالأخضر نسبة إلى المعبود أوزوريس إله الموتى في مصر القديمة، وهو لون يرمز إلى الأرض والنماء والبعث".
ما سبق، أكد عليه عالِم المصريات بسام الشماع، قائلًا: "الأخضر كان يشير إلى النماء والخضرة، كما يشير إلى الإله أوزوريس، ومن ثم فهذا اللون له دلالة على أن المتوفى يريد أن يُبعث في النماء خلال الحياة الأخرى".
وتابع: "كان هناك حرصا على تلوين الوجه وقسماته بالأخضر؛ لأن المصري القديم كان حريصًا على أن يصل إلى الحياة الأخرى بسلام، الفن هنا يخدم الطقس الديني".
وشرح "الشماع" طريقة صنع المصري القديم للون الأخضر، قائلا "كان يكوّنه من معدن النحاس ويخلطه بحجر يُدعى الملاخيت أو كربونات النحاس".
دلالات الاسترداد
اعتبر مجدي شاكر استرداد مصر لهذا الغطاء بمثابة "حدث فريد"، زاد من أهميته كلمة وزير الخارجية ووزير السياحة والآثار، لما احتوته من رسائل استهدفت "الداخل والخارج" بحسب إشارته.
فيما أشاد بشام الشماع بعمل إدارة الآثار المستردة التابعة لوزارة السياحة والآثار، معتبرًا أن استرداد غطاء التابوت هو "حدث سيُكتب في التاريخ".
فكرة ترويجية
من جانبه، أعرب الدكتور أيمن عشماوي رئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار، عن سعادته بخطوة استرداد مصر لـ17 قطعة أثرية من الولايات المتحدة الأمريكية.
وطرح"عشماوي"، لـ"العين الإخبارية"، فكرة من شأنها أن تروج للسياحة المصرية من خلال الآثار المعروضة في متاحف أوروبا والولايات المتحدة، تتمثل في تواجد خبير أثري مصري أمام تماثيل الحضارة المصرية المنتشرة في المتاحف العالمية، على أن يقوم بشرح تاريخ التمثال المعروض للزوار، ويرشدهم لبعض القطع الأخرى الموجودة في مصر.
وعن احتمالية مبادرة بعض المتاحف في أوروبا والولايات المتحدة لإعادة الآثار المصرية المنهوبة، علق "عشماوي: "للأسف هذه المتاحف متمسكة بالآثار، ولا أظن أن مسؤوليها لديهم نية لإعادتها".
بالعودة إلى مراسم تسليم التابوت الأخضر، أوضح الدكتور مصطفى وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن غطاء التابوت يصل طوله إلى 2.94 سم، فيما يبلغ عرضه 90 سم، ويزن غطاؤه فقط 500 كجم، بشكل دفع اللصوص إلى سرقته دون القاعدة.
ونوه "وزيري" بأن التابوت الأخضر كان بداخله تابوتا أصغر حجمًا، مشيرًا إلى أن العصر الذي ينتمى إليه الكاهن عنخ أن ماعت هو العصر المتأخر بمنطقة مصر الوسطى في بني سويف أو المنيا جنوب العاصمة القاهرة.