"العين الإخبارية" تبحث عن إجابة لسؤال عمره 221 سنة: متى تسترد مصر حجر رشيد؟
تسعى إحدى الجامعات الأيرلندية، لإعادة قطع أثرية ومومياوات مصرية قديمة إلى القاهرة.
وأفاد موقع "إيرش سنترال"، قبل أيام، بأن كلية كورك الجامعية، ستعيد عددًا من القطع الأثرية المتواجدة ضمن مجموعتها التراثية إلى مصر، على أن تشتمل الآثار المستردة على: "تابوت حجري، عناصر يعود تاريخها إلى الفترة ما بين عامي 975 قبل الميلاد و100 ميلادية، ومومياوات محنطة، و4 أوان كانوبية".
تمخضت هذه الإجراءات عن مفاوضات جرت بين الكلية، والمتحف الوطني الأيرلندي، والحكومتين المصرية والأيرلندية، مع التنويه بأن عملية الإعادة قد تتم في عام 2023.
حجر رشيد بعيد عن الحراك العالمي
أتت هذه الجهود وسط حالة حراك عالمي شهدتها مختلف المتاحف حول العالم، فبين حين وآخر يُعلن أحدها بدء إجراءات إعادة بعض آثاره المعروضة إلى موطنها، لعل أبرزها استرداد نيجيريا مجموعتها البرونزية الشهيرة من بريطانيا، في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وسط هذه الحالة، يتردد في أذهان عدد من المصريين بعض الاستفسارات الخاصة بحجر رشيد، الذي خرج من المحروسة قبل 221 سنة، والمعروض داخل قسم الآثار المصرية القديمة في المتحف البريطاني بلندن، مستفهمين عن الأسباب التي تحول دون عودة هذا الأثر المهم إلى موطنه، وهو ما سعت "العين الإخبارية" إلى التحقق منه خلال السطور التالية.
حملات شعبية
منذ عقود، يبذل الدكتور زاهي حواس، عالِم المصريات ووزير الآثار المصري الأسبق، جهودًا لاسترداد هذا الأثر التاريخي، ولهذا السبيل سعى لإحداث حراك شعبي يخدم القضية، من خلال تدشينه لحملة يطالب خلالها المصريون المتحف البريطاني بإعادة حجر رشيد.
من ثم، قال الدكتور زاهي حواس، لـ"العين الإخبارية"، إن الوثيقة وقع عليها حتى كتابة هذه السطور حوالي 150 ألف شخص، منوهًا بوجود إقبال من "أجانب كثر" على توقيع هذه الوثيقة، التي تطالب "بعودة حجر رشيد من المتحف البريطاني والقبة السماوية من متحف اللوفر في فرنسا".
أضاف "حواس" أنه ينتظر وصول عدد التوقيعات إلى مليون، حتى يتمكن من بدء إجراءات رسمية يطالب خلالها المتحفين بإعادة حجر رشيد والقبة السماوية لمصر.
أردف عالِم المصريات: "حال الوصول للمليون سأخرج في مؤتمر صحفي وأعلن وجود مطالبة شعبية، وسنبعث جوابًا رسميًا لمتحف اللوفر والمتحف البريطاني لإعادة الحجر والقوس".
أشار "حواس" إلى أن هذه الحملة لا تشترك فيها وزارة السياحة والآثار المصرية، كونها تمثل حراكًا شعبيًا لا حكوميًا.
في السياق نفسه، أوضح عالِم المصريات بسام الشماع، أنه نظم خلال العام الجاري، حملة شعبية لخدمة نفس الغرض، شارحًا لـ"العين الإخبارية": "اعتمدت على فكرة جديدة، وهي أن أفراد الشعب المصري يبعثون رسائل بريد إلكتروني مباشرة إلى قسم الآثار المصرية القديمة في المتحف البريطاني بلندن، تطالب بعودة حجر رشيد إلى موطنه"، منوهًا بأن العدد الإجمالي بلغ 200 رسالة.
اعتبر "الشماع" أن هذه الحملات الشعبية، سواءً الخاصة به أو التي دشنها الدكتور زاهي حواس، من شأنها أن تصدر للعالم "أن هناك شعبًا يطالب بآثاره".
الموقف قانونيًا
أوضح "الشماع" أن حجر رشيد خرج من مصر في عام 1801 في إطار معاهدة "استسلام الإسكندرية"، وفيها سلم الفرنسيون الأثر للقوات البريطانية عقب الهزيمة في معاركها ضدها داخل مصر: "البلاد كانت إقليمًا من أقاليم الدولة العثمانية، التي بدورها دعمت بريطانيا، ونصت هذه المعاهدة على تسليم فرنسا لكل الممتلكات الخاصة والعامة، كان من بينها حجر رشيد".
ذكر عالِم المصريات أن المتحف البريطاني يعتبر أن حصوله على حجر رشيد، بموجب معاهدة "استسلام الإسكندرية" قانوني، وهو ما وصفه "الشماع" بـ"التدليس": "مصر كانت حينها محتلة، كيف تلزمها ببنود اتفاقية لم تكن طرفًا فيها؟ وبالتالي من حقها أن تسترد الأثر قانونًا وتشريعًا".
اقتراح بحل
قال "الشماع" إن المتحف البريطاني يزعم بشكل دائم أن مصر لم ترسل خطابًا رسميًا لاسترداد حجر رشيد، ومن ثم، أقترح ما يلي لتجاوز هذا الادعاء: "على وزارة الآثار تقديم ورقة بختم النسر إلى المتحف البريطاني لإرجاع الحجر، حتى لا تكون هناك حجة في هذا الشأن".
أضاف: "يجب أن تكون هذه الورقة موقعة من وزير الآثار، ورئيس مجلس الوزراء المصري، وحال رفض المتحف تسليم الحجر في هذه الحالة، نلجأ إلى إجراءات التقاضي في المحاكم الدولية".
رد رسمي
لمعرفة الموقف الرسمي، كشف الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، أن البحث ما زال جاريًا لاسترداد حجر رشيد في الإطار القانوني.
وذكر "وزيري"، لـ"العين الإخبارية": "الموضوع في الوقت الحالي قانوني تمامًا، نحن نطلع وندرس الإجراءات المطلوبة في هذا الشأن، وربنا يقدم ما فيه خير".
ما أهمية حجر رشيد؟
أردف عالِم المصريات بسام الشماع تصريحه لـ"العين الإخبارية"، موضحًا أن أهمية حجر رشيد تكمن في أنه "بوابة ساعدت في فك طلاسم الكتابة الهيروغليفية (نظام الكتابة في مصر القديمة)".
أكمل: "عرفنا بسببه أكثر من 90% من أسرار طلاسم الحضارة المصرية القديمة التي علمت العالم، منها الأبجدية السينائية المبكرة، وحينما قارنوها بالهيروغليفية اكتشفوا أصلها الهيروغليفي".
تابع "الشماع" شرحه: "السينائية هي التي علمت أوروبا الأبجدية، لولا تفكيك الطلاسم الهيروغليفية باستخدام نصوص الحجر لم نكن لنعرف أن مصر هي التي علمت أوروبا الألفبائية والهجائية، هو أمر مهم في تاريخ العالم".
عن حجر رشيد
بحسب المنشور ببوابة الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، يعود تاريخ حجر رشيد إلى عام 196 قبل الميلاد، وهو منقوش عليه 3 كتابات، أولها الهيروغليفية، وثانيها الديموطيقية (كتابة مصرية مستخدمة لأغراض يومية)، وثالثها اليونانية.
وعثر جنود الجيش الفرنسي على الحجر في 15 يوليو/ تموز من عام 1799 ضمن حملة القائد نابليون بونابرت على مصر، خلال بناء أحد الحصون داخل مدينة رشيد بمنطقة الدلتا.
وفي وقت لاحق، تسلم الإنجليز حجر رشيد في عام 1801، حتى جرى نقله إلى العاصمة لندن، حيث بات ضمن معروضات المتحف البريطاني منذ سنة 1802.