خطة تهويد القدس 2050 تأتي استكمالا لما طرح في خطة 2020 باعتبارها خطة حكومية تنفذها سلطة تطوير القدس
مع اندلاع المواجهات بين الشرطة الإسرائيلية والمصلّين الفلسطينيين في حرم المسجد الأقصى بالقدس في أول أيام عيد الأضحى، يثار تساؤل حول مستقبل المسجد الأقصى بل والمقدسات الإسلامية بأكملها، والمفترض أنها تقع تحت إشراف دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن خاصة مع استمرار الحكومة الإسرائيلية في تبني سلسلة من الإجراءات التنفيذية لتغيير معالم مدينة القدس بأكملها وفقا لمخطط يعرف بالقدس 2050 استكمالا للمخطط الشهير 2020 .
يستند المخطط الإسرائيلي الجديد إلى تغيير كامل لوضع المدينة بما في ذلك المقدسات الإسلامية، وعلى رأسها المسجد الأقصى، وذلك عبر فتح الطريق الموصل لحائط البراق، وبناء الحي اليهودي في المدينة القديمة وتنشيط الحياة في جبل المكبر، وربط جبل المكبر بالقدس بواسطة مبانٍ سكنية، وبناء سور آخر حول القدس كجزء من عمل دفاعي، وتوطين 7 آلاف يهودي كدفعة أولى في المنشآت الجديدة.
لا تكفي إذن رسائل التنديد والشجب من الدول العربية والإسلامية وتحميل الحكومة الإسرائيلية مسؤولية ما يجري فهي التي أعطت الضوء الأخضر لقطعان المستوطنين للتحرك، وممارسة أنشطتهم الدينية تحت وسمع وحماية الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي تواطأت معهم لاقتحام المسجد الأقصى، وممارسة أنشطتهم الدينية المتطرفة.
وقد تركزت عمليات البناء الاستيطانية مؤخرا في محافظات القدس وسلفيت وبيت لحم والخليل ورام الله؛ فيما تم الاستيلاء على الكثير من الأراضي الخاصة بالمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، بحيث يتم الإعلان عنها كـأراضي دولة، ومن ثم تحويلها لاحقا لصالح الاستيطان.
في هذا الإطار أقر مشروع القدس الكبرى، وفي نطاق استهداف المقدسات الإسلامية، بتوسيع حدود بلدية القدس لتشمل المناطق الممتدة من مدينة رام الله شمالاً إلى بيت لحم جنوبًا، وقد أطلق على هذا المشروع اسم "مشروع الأب"، وهو يمثل الحزام الاستيطاني الثاني حول مدينة القدس، بعد أن كان الحزام الأول قد اتضحت معالمه في الأحياء العشرة التي أقيمت ضمن نطاق أمانة القدس لعام 1967 السابق الإشارة إليه سلفا، بينما يضم الحزام الثالث 15 مستوطنة إضافية في محيط القدس الشرقية.
ومن أبرز الأهداف الإسرائيلية لعملية التهويد التي نفذت بشأن القدس تركيز أغلبية سكانية يهودية في المناطق المجاورة للقدس، بحيث تضفي على المدينة طابعًا يهوديًا يستحيل معه البحث في مصير المدينة ومستقبلها في ظل أي تسوية أو مفاوضات سلمية محتملة خلال السنوات المقبلة.
والواقع أن ما تتظاهر به إسرائيل ليس إلا من باب كسب الوقت فقط وفرض حقائق مكانية سكانية وهيكلية وسياسية وعمرانية يصعب معها تجاهل الحضور الإسرائيلي في المدينة، ويحول بالتالي دون الاستجابة لطلب السلطة الفلسطينية بأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المقترح قيامها، مع مخططها المستمر في عزل القدس الشرقية عن المراكز العمرانية الحضرية والريفية الأخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال تطويق المدينة بأحزمة بشرية استيطانية والضغط على مواطني المدينة من العرب لدفعهم إلى إقامة المساكن خارج الحدود البلدية للقدس الكبرى، أو الانضمام إلى الشتات الفلسطيني في الخارج.
وجاءت خطة تهويد القدس 2050 استكمالا لما طرح في خطة 2020 باعتبارها خطة حكومية تنفذها سلطة تطوير القدس التي تهدف إلى ترويج وضع القدس كمدينة دولية حيث تعتبر هيئة التخطيط الرئيسية لبلدية القدس ومديرية الأراضي ومنظمات أخرى عاملة في مجال الإسكان والتشغيل المسؤولة عن تنفيذ ومراجعة خطط البناء والتشييد التي تشهدها مناطق القدس وما يجاورها.
وتهدف خطة القدس 2050 أيضا إلى زيادة الاستثمار الخاص، وبناء طرق عالية الجودة للمواصلات، بما فيها خط سكك حديدية، وشبكة شاملة من المواصلات ووسائل النقل العام، واستحداث العديد من الطرق السريعة وتوسيع الطرق القائمة، وطرق فائقة السرعة تقطع إسرائيل من الشمال إلى الجنوب وتقترح الخطة أيضًا إنشاء مطار في وادي هوركانيا بين القدس والبحر الميت لخدمة 35 مليون مسافر سنويًا، وسيرتبط هذا المطار بطرق وسكك حديدية موصلة إلى القدس ومطار بن جوريون ومدن أخرى مجاورة.
وسعي المخططون والمنفذون لخطة القدس 2050 لإظهارها على أنها خطة غير سياسية تروج إلى السلام من خلال الرخاء الاقتصادي الذي تعكف الإدارة الأمريكية على تسويقه في الشرق الأوسط من خلال مستشاري الرئيس الأمريكي ترامب.
كما تسعي الخطة لجذب اليهود من شتى أنحاء العالم إلى القدس من خلال تطوير صناعتين متقدمتين: التعليم العالي والتكنولوجيا المتقدمة، ويرتبط تطوير صناعة التعليم العالي ارتباطًا وثيقًا بتطوير التكنولوجيا المتقدمة، والمعلومات البيولوجية، وصناعة التكنولوجيا البيولوجية، لذا تدعو الخطة إلى إنشاء جامعة للإدارة والتكنولوجيا في مركز مدينة القدس، وإلى مساعدات حكومية للبحث والتطوير في مجالات علمية وتقنية جديدة تخدم المجمع الصناعي العسكري والشركات الإسرائيلية متعددة الجنسيات العاملة في مجالات متقدمة.
وبالتأكيد لا تراعي الخطة الإسرائيلية معدل النمو الفلسطيني في القدس الشرقية، والندرة المتراكمة في المساكن، وهي تُخصِّص مساحة 2,300 دونم فقط للإعمار الفلسطيني مقابل 9,500 دونم لليهود الإسرائيليين، إضافة لذلك فإن معظم الوحدات السكنية الجديدة المقترحة للفلسطينيين تقع في المناطق الشمالية والجنوبية من القدس الشرقية، وليس في البلدة القديمة.
ويقف وراء تلك المخططات الجارية على قدم وساق في القدس، تكتل الليكود الذي دعا إلى إقرار قانون جديد للكنيست ولتوسيع منطقة نفوذ مدينة القدس، وإعلانها مدينة كبرى، يتم ضم خمس مستوطنات كبيرة إليها، مقابل إخراج مخيم اللاجئين الفلسطينيين شعفاط، وبلدتي كفر عقب وعناتا منها، وفي إطار مخطط مرحلي يستهدف ضم هذه المستوطنات من ناحية بلدية إلى القدس فقط، وليس إلى إسرائيل، وقد استمر التنافس بين تكتل الليكود ، والبيت اليهودي على أصوات اليمين فبعد مبادرة نفتالي بينت زعيم البيت اليهودي لتعديل قانون أساس القدس، الذي سيحبط التخلي عن أجزاء من المدينة في المستقبل، رد تكتل الليكود بمبادرته بتقديم مشروع قانون القدس الكبرى الذي يدعو لضم مستوطنات كبيرة إلى المدينة.
والرسالة الأخيرة أن إسرائيل ستسمح لقطعان المستوطنين بالتحرك في القدس تزامنا مع ما يجري من مخططات بهدف فرض سياسة الأمر الواقع خاصة وأن هؤلاء المستوطنين وصلوا إلى الأقصى وما يجاوره أو ما يعرف بساحة حائط البراق لأداء طقوس الرثاء قرب ما يسمى "موقع خراب الهيكل" المزعوم.
ولعل ما يشهده حي وادي حلوة بالقدس، وبصورة دورية، من ممارسات متطرفة من قبل المستوطنين بمناسبة ما يسمى "ذكرى خراب الهيكل"، ما يشير إلى وجود مخطط حكومي لدعم جماعات الهيكل الذين وصلوا خلال مؤخرا إلى 2500 مستوطن بل وكان ممن قاد الاقتحامات وزير الزراعة في الحكومة الإسرائيلية المتطرف أوري أريئيل، وعناصر في الجيش الإسرائيلي بزيهم العسكري، وما يسمون بطلاب الهيكل المزعوم في ظل الإسراع بتنفيذ مخطط 2050 بصورة لافتة.
لا تكفي إذن رسائل التنديد والشجب من الدول العربية والإسلامية وتحميل الحكومة الإسرائيلية مسؤولية ما يجري فهي التي أعطت الضوء الأخضر لقطعان المستوطنين للتحرك، وممارسة أنشطتهم الدينية تحت وسمع وحماية الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي تواطأت معهم لاقتحام المسجد الأقصى، وممارسة أنشطتهم الدينية المتطرفة.
وأشير ختاما إلى أن هناك أعضاء بارزين من حكومة نتنياهو اليمينية يعيشون أصلا في المستوطنات، وبالقرب من القدس والمقدسات الإسلامية، ويتبنون خيارات صفرية في التعامل مع ملف القدس خاصة بعد القرار الأمريكي بالاعتراف بالمدينة كعاصمة موحدة لإسرائيل بل وتبني مواقف معادية لأي خطوة سياسية لاستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة