يُعتبر داعش ألدّ أعداء القاعدة، وهو ما لاحظناه في سوريا والعراق ونراه الآن في اليمن وسنراه قريباً في أفريقيا.
ذكرت محطة سي إن إن، في أغسطس/آب الجاري، أن أيمن الظواهري يعاني من آلام خطيرة على مستوى القلب.
وقبل ذلك بيوم واحد، كانت وسائل إعلام قد تحدثت عن وفاة خليفته حمزة بن لادن. ومن خلال استقراء كيفية نشر تلك الأخبار، يتضح أن الهدف منها هو أن يُقدِّم حمزة بن لادن أدلة على أنه ما زال على قيد الحياة وأن يعطي الظواهري إشارات على أنه ما زال يتمتع بصحة جيدة.
يمكنني الجزم بأن خليفة حمزة، ومن أجل أن يحظى بالقبول، قد يكون أكثر دموية من كل سابقيه. وعليه، فإن مشكلة القاعدة الحالية ليست في غياب حمزة بن لادن ولا حتى في تدهور أوضاع الظواهري الصحية بقدر ما تكمن في حرب السيطرة على الأراضي التي يخوضها التنظيم ضد داعش.
لا يجب أن نتفاجأ بأن بن لادن نفسه، البغدادي أو بلمخطار ضمن آخرين قد قُتِلوا مراتٍ عدة في وسائل الإعلام. ويبدو أن الهدف من نشر تلك الأخبار ليس إلا السعي للعثور على أي معطيات قد تقود إليه.
لطالما تميزت القاعدة عن داعش بامتلاكها قادة متقدمين في السن ولهم معارف ظاهرة. وهذا الأمر قد لا يناسب المجندين الجدد الذين تتراوح أعمارهم، في الغالب، بين 15 و27 سنة. فالشباب يُفضلون دائماً قائداً شاباً وهذه المسألة ليست قابلة للمجادلة حسب الإحصائيات والأمر راجع لعامل السن فقط، إذ يحظى القادة الشباب بتعاطف الفئة الشابة وهو شيء طبيعي.
أن يكون حمزة بن لادن قد مات فعلاً أم لا، فإن هذا الأمر لا يجب أن يحظى بالأهمية التي مُنِحت له. هل كان أحد يتصور أنه سيتم منح حمزة بن لادن كل سلطات اتخاذ القرار بين عشية وضحاها؟ سيكون حمزة محاطاً دائماً بمستشاريه أو الذين قد يخلفونه على رأس التنظيم من قدماء الجهاديين المصريين مثل أبو محمد المصري أو سيف العدل وهو ما يضمن أن القرارات النهائية ستكون مدروسة.
من جهة أخرى، فإنه من الصعب جداً تقبُّل أن شخصاً كيِّساً مثل الظواهري قد فكَّر في تنصيب قائد شاب دون أن يكون له مخطط أو مخططات بديلة. فالطبيعي هو أن يكون قد أهَّل وأعَدَّ أو جنَّد مجموعة من الشباب الذين سيتولون زمام الجماعة بدل حصر القيادة في شخص واحد.
الحقائق التي يجب تكون مبعث قلق هي أمور أخرى مختلفة من قبيل؛ هل يكون الزعيم الجديد للقاعدة أكثر دموية من الظواهري؟ أو هل يكون مؤيداً للاتحاد مع داعش ولو بشكلٍ مؤقت؟ وهل سيخفِّض من حدة خطابه لدرجة تسمح له بالتفاوض مع الحكومات؟
يبدو أن الظواهري أراد أن يؤكد من خلال ظهوره في السابع من الشهر الجاري أنه ليس مريضاً كما نُشِرَ بأنه يعاني من أوجاع على مستوى القلب، وذلك عندما ظهر في شريط فيديو مدته 11 دقيقة وتسع ثوان يحمل عنوان "معركة الحجاب". ولم يتطرق الظواهري إلى ما نُشِرَ بالولايات المتحدة حول وضعه الصحي. إن الشيء الوحيد الذي يمكن ملاحظته من خلال ملامحه هو أنه يعاني من أعراض الإرهاق، مقارنةً بمقاطع فيديو سابقة. وهذا أمر طبيعي بالنسبة لمن يقود إحدى كبريات الشركات الإرهابية في العالم وتصله يومياً الأخبار المتعلقة بعمليات القتل التي ينفذها تنظيمه أو التي تتعلق بمقاتليه الذين يسقطون قتلى.
حالياً، يُعتبر داعش ألدّ أعداء القاعدة، وهو ما لاحظناه في سوريا والعراق ونراه الآن في اليمن وسنراه قريباً في أفريقيا.
هل يتصور أياً كان أن مقتل حمزة سيوقِف مخططات القاعدة؟ يمكنني الجزم بأن خليفة حمزة، ومن أجل أن يحظى بالقبول، قد يكون أكثر دموية من كل سابقيه. وعليه، فإن مشكلة القاعدة الحالية ليست في غياب حمزة بن لادن ولا حتى في تدهور أوضاع الظواهري الصحية بقدر ما تكمن في حرب السيطرة على الأراضي التي يخوضها التنظيم ضد داعش.
وقد حثّ البغدادي في ظهوره الأخير شهر مايو/أيار الماضي أتباعه لتدشين حرب الاستنزاف بغرض إنهاك وإرهاق العدو في الميدان العسكري، اللوجستي والاقتصادي، فهو يدرك جيداً أنه لا يمكنه خوض أي معركة لا تكون على المدى الطويل. وقد أعادت، هذا الأسبوع، إحدى قنوات داعش التأكيد على ذلك في منطقة الساحل، وهو ما يعني أنهم يمتلكون تصوراً واضحاً حول استراتيجيتهم الهجومية خلال السنوات المقبلة. أما استراتيجية القاعدة في هذا المجال فهي لا تختلف كثيراً، لأنه لا يمكننا أن ننسى أن هذه المجموعات الإرهابية هي تجارة بالنسبة لقادتها، حتى وإن بدت كفاحاً حول عقيدة بالنسبة للأعوان. هي حرب، إذاً، يستحيل ربحها بالأسلحة فقط. سيكون الفوز فيها متى تم تغيير تفكير الإرهابيين. المرحلة الأخيرة من هذه الحرب تبدو وكأنها الأكثر تعقيداً. على الإرهابيين أن يتخلوا عن همجيتهم كي يحظوا بالقبول. كما يتحتّم عليهم أن يغيروا سلوكهم ليكون أكثر مرونة ويكونوا هم بذلك أكثر تسامحاً. كيف يمكن محاربة عدو لا يمارس العنف ويتخذ لنفسه أسلوباً مقبولاً لدى السكان؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة