مدينة الألف مئذنة: مسجد الحاكم بأمر الله "تحفة معمارية عمرها ألف عام"
مسجد الحاكم بأمر الله في شارع المعز يعد تحفة معمارية إسلامية فريدة كونه ينفرد بأكبر صحن داخلي بين مساجد مصر.
في شهر رمضان سنة ٤٠٣ هجريًا، أعلن في مصر أن "المسجد الذي استغرق بناؤه ١٤ عامًا سيكون جاهزا غدًا لاستقبال المصلين لأداء صلاة الجمعة"، ليخرج جمع كبير إلى باحة المسجد الذي تم تشييده في العهد الفاطمي.
تساؤلات عدة كانت تدور بأذهان أهل مصر آنذاك قبل رؤية الصرح الإسلامي الضخم، ولكن عندما رأوا بأعينهم هذا المشهد الذي يسرّ الناظرين، خرجوا من أكبر صحن مسجد يتم تشييده في مصر الفاطمية وعلى أعينهم نظرات سعادة، ليقرروا بأنفسهم بعد أيام تسمية المسجد بـاسم "الحاكم بأمر الله".
"ألف عام تقريبًا مرت على بناء المسجد، الذي يقال إن الاتجاه إلى بنائه كان بأمر من الخليفة الفاطمي الخامس العزيز بالله بعد أن ضاق الجامع الأزهر بالمصلين، ليكون الاتجاه حينها بناء مسجد آخر يكون صرحا جديدا لتدريس الفقه وأمور الدين بجانب المسجد الأزهر".. يقول الدكتور عبد المقصود الباشا، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية في جامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في تصريحات خاصة لــ"بوابة العين الإخبارية".
يضيف الباشا أنه "فور البدء في المسجد بعام تقريبًا توفي الخليفة وتوقفت أعمال البناء تمامًا لفترة من الزمن، حتى قرّر ابنه الحاكم بأمر الله استكمال البناء، ليكون اختيار المصلين حينها لاسم المسجد على اسم الخليفة (الحاكم بأمر الله)، الذي أعطى الضوء الأخضر مرة أخرى لهذا الصرح المعماري الضخم".
يقع المسجد في نهاية شارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الجمالية في القاهرة بالقرب من باب الفتوح، ويحده من ناحية الشمال سور القاهرة الشمالي، وبجواره وكالة قايتباي وباب النصر، ومن ناحية الجنوب منطقة سكنية شعبية.
ويؤكد أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية في جامعة الأزهر أنّ المسجد مرّت عليه عديد من الأحداث الدرامية مثل: تعرضه لزلزال أدى إلى تصدّع كثير من أجزاء الجامع من بينها المئذنة، كما اعتدى عليه بدر الجمالي عندما سدّ منافذ الجدار الشمالي ببنائه السور، ليحدث ذلك الأمر تشوها كبيرًا في شكله، بجانب سقوط السقف وتهدّم كثير من العقود والأكتاف خلال العقود الماضية.
مرّ على المسجد العديد من التجديدات، ففي عصر المستنصر تم تجديد سور القاهرة الشمالي وإدخال الجامع داخل السور، وتجديد أجزاء المئذنة الشمالية، وفي عهد المماليك أمر "ركن الدين بيبرس" بعمل تجديدات في المسجد بعد سقوط المئذنة إثر زلزال مدمّر، بجانب تجديدات في عهد الخلافة العباسية وتحديدًا "الناصر حسن بن محمد بن قلاوون" الذي أمر بكسوة أرضية المسجد بالرخام.
كما تم تجديد بعض أجزاء المسجد في أوائل القرن الثالث عشر بعد أن جدّد نقيب الأشراف السيد عمر مكرم بعض أجزاء المسجد وكسا القبلة بالرخام، وأضاف منبرًا ومحرابًا بجوارها.
يقع المسجد على مساحة ١٦٢٠٠ متر، صحنه الداخلي يعد أكبر الصحون الداخلية الموجودة في مصر بمساحة ٥٣٣٠ مترًا، يكسوه الرخام الأبيض، ويتوسطه فسقية رخامية فريدة، بجانب حوض صغير للوضوء في أركان المسجد الجنوبية.
للمسجد 4 أروقة أكبرهم الرواق الشمالي الذي يحوي المحرابين القديم والجديد والمنبر الخشبي، كما أن للمسجد 3 قباب و9 مداخل لا يعمل منهم سوى الموجود في شارع المعز فقط، ليكون المدخل الوحيد للمسجد.
في الوقت نفسه، يشير الدكتور عطية القوصي، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة إلى أهمية المسجد الشديدة في عالم العمارة الإسلامية، لكونه أحد المساجد الكبرى في القاهرة الفاطمية واهتمام الجميع في شتى بقاع العالم لزيارة والتقاط الصور التذكارية، واعتبار المسجد من التراث المعماري الإسلامي المهم في مصر.
ويضيف القوصي في تصريحات خاصة لـ"بوابة العين الإخبارية": "المسجد تعرّض لإهمال كبير خلال فترات كبيرة في التاريخ، ففي القرن الثامن عشر كان مقرًا لصناعة الزجاج ونسج الحرير من قبل مجموعة من بلاد الشام، بجانب تحوّله في فترة من الفترات إلى مخزن ومتحف إسلامي ليطلق عليه (دار الآثار العربية) كأول متحف إسلامي من نوعه، ولكن تم نقل التحف منه بعد عقود إلى متحف الفن الإسلامي، الذي يعد أكبر المتاحف الإسلامية في العالم".
ويروي القوصي أنّ المسجد تحوّل خلال فترة زمنية إلى مدرسة ابتدائية عُرفت بـ"السلحدار الابتدائية" لتكون أروقة المسجد فارغة مع إقامة المدرسة، وينتهى الحال به خلال فترة من الزمن إلى مخازن لتجار المنطقة. جدير بالذكر أن المسجد قد عُرف على مدار العقود الماضية بعديد من الأسماء، فكان في البداية يسمى بـ"جامع الخطبة"، و"جامع الأنوار" و"جامع الفتوح" لقربه من باب الفتوح.