وفاة فنان الشعب المغربي.. الكريمي يفض جمهور "الحلقة"
محمد بلحجام المعروف بلقب "الكريمي" سطع نجمه في البداية بين زوار أحد الأسواق الشعبية وسط المغرب قبل أن يذيع صيته في أرجاء البلاد
لم يكن نجماً تلفزيونياً، ولا مُؤثراً يُشارك روتينه اليومي فيحصد ملايين المُشاهدات، وتنهال عليه الإعلانات. عاش بسيطاً ورحل كذلك، أبهج المغاربة بعروضه الكوميدية التي كان الهواء الطلق رُكحاً لها، وبدُريهمات قليلة، إن تطوع المتفرج، يلج عالمه المليء بالارتجال والفكاهة.
هو محمد بلحجام المعروف بلقب "الكريمي"، سطع نجمه في البداية بين زوار أحد الأسواق الشعبية بمنطقة الصويرة وسط المملكة المغربية، قبل أن يذيع صيته في أرجاء البلاد، ليرحل عن الحياة السبت، عن عمر يناهز 59 عاما، بعدما دخل إلى المستشفى في وقت سابق، جراء إصابته في حادث سير.
محبوب الجماهير
كان الكريمي محبوباً لدى المغاربة، باختلاف الأعمار والمناطق، فقبل شيوع الهواتف النقالة والإنترنت، كانت الأقراص المدمجة وأشرطة الفيديو أجمل وسيلة للاستمتاع بعروض هذا الكوميدي.
وحتى تسجيلاته التي كان يتداولها المغاربة لم تكن إنتاجاً مهنياً ولم يستفد يوماً من عائدات بيعها، إذ كانت في أغلبها حفلات عائلية أو أعراس يحييها الكريمي لبث روح البهجة والنكتة بين الحاضرين.
واليوم، ورغم أن هذه التسجيلات تم توثيقها بمعدات "بدائية" وقديمة، إلا أنها تحصد ملايين المشاهدات على موقع يوتيوب، بعدما قام محبو الفنان بمشاركتها.
وسطع نجم الكريمي في الحلقة، وهي عروض قديمة جداً تُقدم في الهواء الطلق، إما في الأسواق الأسبوعية أو ساحات مخصصة لهذا الأمر، وسُميت بـ"الحلقة"، نظراً لأن المشاهدين يتحلقون حول الممثل أو الكوميدي، فيما يشرع في أداء عرضه قبل أن يجود عليه الجمهور بدراهم يعيل بها أسرته.
وفي السنوات الأخيرة عرف فن الحلقة تراجعاً كبيراً، إذ ظلت حكراً على بعض المدن المغربيية فقط، وبعض الأسواق الأسبوعية في البوادي.
ويحرص الكريمي على السخرية، من خلال التطرق إلى مختلف قضايا المجتمع، كما أنه يقترب بشكل فكاهي من مواضيع ذات حساسية عالية، لكن الناس يتقبلون ما يصدر عنه بصدر رحب، وهنا تكمن فذاذة الكريمي، بحسب محبيه.
بسيط بين البسطاء
"كان فنان ارتجال بامتياز"، يقول الصحفي جواد الأنصاري بتأثر، ليسترسل: "بوسائله البسيطة جداً، التي لا تتجاوز ملكته الكوميدية، وبدون أي معدات ولا حتى هاتف نقال يُصور به عروضه، استطاع أن يأسر قلوب المغاربة".
أظن أن فن "الحلقة" شارف على الانتهاء مع وفاة الأسطورة الكريمي، يقول الأنصاري لـ"العين الإخبارية"، مضيفا: "هذا الرجل الذي لو ساعده الحظ مثل الكثيرين لكان وضعه قيد حياته أحسن كثيرا. لكن قدره أن يعيش فناناً عظيماً بحياة بسيطة وبين البسطاء، إلى أن وافته المنية على هذا الحال".
ويوضح الأنصاري، أن الكريمي على غرار الكثير من الفنانين الارتجاليين، لم يجد فرصته الكاملة لإبراز مواهبه، سواء في القنوات العمومية، أو حتى المهرجانات التي تُقام في مختلف المناسبات، معلقاً بالقول: "هذا الذي حقق نجاحاً بهذا الشكل دون أي دعم لوجيستي، لنا أن نتخيل في أي وضع سيكون لو سُهلت أمامه السُبل؟".
"رغم التطور الكبير الذي عرفه مجال تقنيات التصوير فلن تجد مقاطع للفنان الكريمي بجودة عالية" يقول الأنصاري، مشدداً: "هذا الأمر يعكس الظروف والمعدات البسيطة التي كان يوثق بها فنه بخلاف الكثيرين الذين تُرصد لهم إمكانات لوجيستية وطواقم إعداد ولم يصلوا إلى قلوب المغاربة كما فعل الكريمي".
ولفت إلى أن المحاولات القليلة التي مُنحت له لتقديمه في مهرجانات وبرامج تلفزيونية لم تكن في المستوى المطلوب، إذ ظلت محدودة ومقيدة بضوابط من شأنها "قتل" فن الحلقة، وما كان يُقدمه من كوميديا ارتجالية، والتي هي أساس حُب شريحة واسعة من المغاربة له.
أسلوب بسيط
وقال الأنصاري إن قلة من الفنانين فقط كانوا يُناقشون التابوهات في عروضهم دون أن يقعوا في الابتذال، إلا أن الكريمي رحمه الله، جعل المغاربة يضحكون على كُل المواضيع التي يُحظر الضحك فيها، وفي نفس الوقت دون إسفاف أو مبالغة.
وأوضح أن أسلوبه البسيط جعل المغاربة يضحكون بدون حساسية، وهذا يُمكن تفسيره بشيء واحد: "حاجة الإنسان الملحة للضحك، وحبهم لذلك الفنان البسيط والتلقائي".
ويرى الأكاديمي، عز الدين أزرويل، أن الفنان الشعبي محمد بلحجام المعروف بـ"الكريمي" أسس لنمط جديد من الكوميديا، ونجح في صناعة اسم بين أبرز الكوميديين المغاربة، بعدما نال حُب أبناء منطقته.
وأوضح أن من أسرار نجاح الكريمي في مسيرته الفنية، اعتماده أسلوباً بسيطا وسلساً في الأداء، بدءاً من التجمعات التي كانت تُعقد كُل مساء في الدوار (منطقة قروية)، مروراً بالحلقة التي كان يُنظمها تزامناً مع السوق الأسبوعي في المنطقة، لتصل شهرته جميع مناطق البلاد. وذلك في زمن كان التلفاز نادراً جداً.
وأوضح أن عروض الكريمي، كانت تركز بشكل كبير على قضاياً المناطق المهمشة، إذ يُقلد العجوز والشابة، لينجح في إدخال البهجة ورسم الابتسامة على وجوه متابعيه.