لماذا يُقتل الرؤساء سريعا ويطول عمر زعماء الإرهاب؟
القبض على رؤساء الدول المستهدفين وقتلهم لم يستغرق وقتًا طويلا في حين يستغرق القبض على زعماء الإرهاب سنوات طويلة، مما يثير تساؤلات
تثير الأنباء التي تتقافز في وسائل الإعلام حول مصير أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش الإرهابي، والتي يكذب بعضها بعضا على مدى سنوات، تساؤلا حول كيف نجا طوال هذه السنوات من تحالف دولي من الجيوش وأجهزة الاستخبارات.
وهذا التساؤل يكتسب ثقلًا بتتبع مصير زعماء التنظيمات الإرهابية الذين نجوا لسنوات طويلة من مطاردة الولايات المتحدة وحلفائها لهم مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، مقارنة بمصير رؤساء الدول الذين قتلتهم الولايات المتحدة وحلفائها سريعا مثل صدام حسين ومعمر القذافي.
فأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة ظلت الولايات المتحدة تطارده أكثر من 13 عامًا على الأقل (من 1998- 2011) وأيمن الظواهري ما زال مطاردًا منذ 19 عامًا (من 1998- حتى الآن)، في حين أن الرئيس العراقي صدام حسين ألقت القوات الأمريكية وحلفائها القبض عليه خلال شهور قليلة بعد غزو العراق 2003، كما قتلت قوات الناتو وحلفائها الزعيم الليبي معمر القذافي بعد شهور قليلة من اجتياح ليبيا (2011).
أسامة بن لادن
بدأ تعقُّب الولايات المتحدة لأسامة بن لادن على الأقل منذ عام 1998 الذي شهد تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا، ووجهت أصابع الاتهام لتنظيم القاعدة.
وتتبعت واشنطن بن لادن بعد ذلك في عدد من البلدان، أبرزها السودان، حتى إنها نفذت غارة جوية قصفت فيها مصنع للأدوية بحجة أنه يقدم أسلحة للتنظيم.
ثم تتبعته في أفغانستان وباكستان.
ورغم توجيه عشرات الآلاف من جنود عدد من الدول تحت مظلة الناتو في غزو أفغانستان 2001 بحجة القضاء على القاعدة وبن لادن، وبالرغم من نجاحهم في إقصاء حركة طالبان، حليفة بن لادن، عن الحكم، إلا أن هذه الأعداد الكبيرة بأجهزة استخباراتها لم تستطع قتل بن لادن طوال أكثر من 10 أعوام.
وكان بن لادن طول هذه السنوات يظهر من حين لآخر عبر أشرطة فيديو يشيد فيها بحادث إرهابي ما، أو يوجه تحذيرات للأمريكان، وكانت تنشر هذه التسجيلات على مواقع إلكترونية تابعة للقاعدة أو على شاشة قناة الجزيرة القطرية.
وكان لافتا أنه طوال هذه السنوات تستطيع قناة الجزيرة معرفة طريقه في حين يقول الأمريكان وبقية استخبارات العالم إنهم لا يعرفون.
وجاءت لحظة إعلان قتله في مايو/أيار 2011 في مخبأ بباكستان.
وقُتل في عملية دهم لم تستغرق أكثر من 40 دقيقة وبمشاركة عشرات قليلة من الجنود الأمريكيين والباكستانيين وبرصاصة في رأسه.
وكان هذا العام مؤشر زوال الدور الكبير المنوط بتنظيم القاعدة، وبداية ظهور تنظيمات مسلحة أخرى، تحمل فكرة القاعدة، ولكن بأسماء أخرى، وظهرت تلك التنظيمات مصاحبة لما يسمى بالربيع العربي في ليبيا، مثل فجر ليبيا، وفي مصر مثل جماعة أنصار بيت المقدس، والأهم في سوريا والعراق تحت اسم تنظيم داعش عام 2014.
أيمن الظواهري
تسلم أيمن الظواهري قيادة تنظيم القاعدة بعد موت بن لادن، وبالرغم من انتشار أجهزة الاستخبارات الأمريكية في عدد من الدول المتوقع أن الظواهري مختبئٌ بها، خاصة أفغانستان وباكستان، وبالرغم من أن واشنطن رصدت مكافأة تقدر بـ 25 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه، إلا أنه حتى الآن (عام 2017) فإن الظواهري ما زال حرًا طليقًا.
أبو بكر البغدادي
تردد اسم أبو بكر البغدادي بقوة وعرفه العالم مع ظهور تنظيم داعش عام 2014 في سوريا.
غير أنه بعد ذلك ظهرت تقارير تتحدث عن نشاط قديم له ضمن تنظيم القاعدة قبل ذلك بسنوات؛ حيث حمل لقب أمير دولة العراق الإسلامية في تنظيم القاعدة.
وكانت الخارجية الأمريكية أعلنت في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 أن أبو بكر البغدادي إرهابي عالمي، وأعلنت عن مكافأة 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للقبض عليه أو قتله.
ورغم ذلك، ورغم التواجد العسكري والاستخباراتي لأمريكا في سوريا والعراق إلا أن البغدادي استمر في نشاطه.
والمشهد الأبرز للبغدادي هو ظهوره الوحيد الذي أدلى فيه بخطابه الوحيد المسجل فيديو وهو على منبر الجامع الكبير في مدينة الموصل العراقية عقب اجتياحها يونيو/حزيران 2014.
وفي هذا الخطاب أعلن ما وصفها بدولة الخلافة في سوريا والعراق؛ حيث إن تنظيم داعش يكون بذلك وصل إلى الموصل بشمال العراق قادما من سوريا التي استولى فيها على عدة مدن أبرزها الرقة في شمال سوريا، والقريبة من الحدود مع العراق.
ومنذ ذلك الحين تتوارد أخبار متضاربة عن البغدادي، ما بين أنه قتل أو تم القبض عليه أو أنه أصيب، وهي أخبار تنفي بعضها بعضا، ولم تنجح إحداها في تقديم أدلة على صحتها.
كما تتواتر أخبار من القيادات العسكرية الأمريكية أو العراقية أو غيرها حول مكان اختباء وتنقل البغدادي ما بين سوريا والعراق، وأيضا حتى الآن لم يثبت صحتها.
وما زال البغدادي حتى مايو/أيار 2017 حرًا طليقًا بالرغم من وجود التحالف الدولي ضد داعش، والذي تقوده الولايات المتحدة، والمكون من عشرات الدول، ويشن عمليات عسكرية واستخباراتية مستمرة في سوريا والعراق.
كما أن عدم نجاح هذا التحالف، إضافة للقوات العراقية، في القبض على البغدادي رغم تواجده لفترة في مدينة الموصل التي أعلن صراحة عن تواجده فيها عام 2014 عبر خطابه من على منبر الجامع الكبير، يثير علامات استفهام كبيرة، تنضم إلى علامات استفهام أخرى تحيط بالسهولة والسرعة التي تمت بها عملية احتلال التنظيم للموصل، بالرغم من تواجد القوات العراقية وغيرها.
صدام حسين
اجتاحت القوات الأمريكية والقوات الدولية المتحالفة معها العراق في مارس/أذار 2003 تحت حجة تدمير الأسلحة النووية المزعوم أن العراق يمتلكها، وفي شهور قليلة استطاعت تلك القوات القبض على الرئيس العراقي صدام حسين في ديسمبر/كانون الأول 2003، في عملية سميت بالفجر الأحمر.
وقدم على إثرها لمحاكمة استمرت 3 سنوات، انتهت بإعدامه في 2006 في مشهد علني أمام العالم، في واقعة هي الأولى من نوعها.
كذلك في أشهر قليلة استطاعت القوات الأمريكية العثور على ولديه عدي وقصي وقتلهما مباشرة في يوليو/تموز 2003 في الموصل.
معمر القذافي
في فبراير/شباط 2011 خرجت مظاهرات في ليبيا تطالب بإصلاحات سياسية، سرعان ما تحولت لمظاهرات مسلحة تطالب برحيل الزعيم الليبي معمر القذافي.
وفي غضون أسابيع قليلة اجتاحت قوات الناتو ليبيا مارس/آذار 2011 بحجة أن القذافي يستخدم القوة ضد المتظاهرين.
وفي خلال أشهر قليلة تم القبض على القذافي بعد العثور عليه في مخبأ بمدينة سرت (مسقط رأسه) في أكتوبر/تشرين الأول 2011، وتم تصفيته بدون محاكمة، وقتل معه أيضا وزير الدفاع أبو بكر يونس وحراس شخصيون وابنه المعتصم، وفي وقت لاحق تم القبض على ابنه سيف الإسلام.
وربما كان نفس المصير ينتظر الرئيس السوري بشار الأسد الذي اندلعت في بلده مواجهات مسلحة عام 2011 مدعومة من أطراف دولية متصارعة.
ولكن ربما طال به الأمد؛ نظرًا لأن الدول المتصارعة ليست متفقة على مصيره، فبينما تسانده روسيا وإيران، تقف ضده الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا، في حين أن من تواجدوا على الأرض في العراق وليبيا اتفقوا على الإطاحة بصدام والقذافي.
ويبقى السؤال.. لماذا يطول الأمد والبقاء بزعماء الإرهاب إن كانت كافة دول العالم تعلن أنها ترغب في التخلص منهم، المساحة التي يتحركون فيها معلومة ومحدودة وتحيطها القوات الدولية في معظم الأحيان؟
aXA6IDE4LjExNy4xNTguMTAg جزيرة ام اند امز