أغسطس 2022.. ليالٍ دموية حبست أنفاس العراقيين
لم يكن عام 2022 هينا على العراقيين في ظل معارك سياسية استمرت شهورا بين طرفي النزاع الشيعي (الإطار التنسيقي والتيار الصدري)، فيما شهد شهر أغسطس/آب أحلك الأيام حيث دخلت البلاد في حرب داخلية مسلحة بين أنصار كلا الفريقين.
آنذاك، تبادل الطرفان العنف المسلح عند بوابات المنطقة الرئاسية (الخضراء)، لنحو 16 ساعة استدعت تدخل القوات الأمنية من مكافحة الشغب، مما أسفر عن وقوع عشرات القتلى والجرحى، فيما بدت المناطق التي تمثل معاقل للتيار والإطار مهيأة وبشكل خطير لنقل المعركة عند شوارعها.
وبعد يوم من اندلاع تلك الاشتباكات، جاء بيان رئيس التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي عرف بـ"التاريخي"، والذي وجه من خلاله أنصار التيار بإنزال البنادق والانسحاب فورا من المنطقة الرئاسية في كلمة متلفزة اتسمت بالتوبيخ والغضب الشديد من أتباعه.
أطفأت كلمة الصدر نيران الحرب المباشرة بعد أن حبس العراق وأبناؤه الأنفاس وبدأوا بالتسليم إلى القدر المحتوم والنتيجة المتوقعة جراء الصراع الذي اندلع بين الطرفين منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول عام 2021.
وجاء الخلاف على خلفية النتائج التي أفرزتها الانتخابات التشريعية المبكرة بعد أن جاءت أرقامها صادمة لقوى الإطار التنسيقي الذي يضم أحزابا وجهات مقربة من إيران قابلها صعود كاسح للتيار الصدري.
وزاد التعقيد في حدة الصراع بعد ذهاب الصدر نحو مشروع الأغلبية الوطنية بالتحالف مع القوى السنية الأكبر والديمقراطي الكردستاني وإشهار بطاقة الفيتو أمام قوى الإطار بقطع الطريق على مشاركتهم ضمن الكتلة النيابية الأكبر التي لها حق تشكيل الحكومة الجديدة.
وتبادل الجانبان على إثر ذلك اتهامات وتناولا تصريحات غاضبة تشكك بالولاء والتبعية لدول إقليمية وجهات خارجية انعكست تداعياتها على احتقان شعبي كبير هيأ فيما بعد لأحداث المنطقة الخضراء.
وأسهمت جملة من الأحداث في تصعيد المواقف ودفعها نحو الاشتباك المسلح يتقدمها توجيه الصدر لنوابه الـ73 بتقديم الاستقالة والذهاب نحو قرار الاعتزال السياسي مما أثار حفيظة أنصاره التي باتت تتحيز الفرصة لصب جم غضبها على الخصوم الذين أجبروا زعيمهم على مغادرة العملية السياسية برمتها.
وحفزت عملية التوتر الكافي للوصول إلى الصدام المباشر، التسريبات الصوتية التي كشف عنها الناشط والصحفي علي فاضل والتي ظهر من خلالها رئيس ائتلاف دولة القانون وأحد أهم القيادات في الإطار، نوري المالكي، وهو يتهجم على الصدر ويصفه بشتى صنوف الازدراء والحط من المكانة السياسية والدينية التي يتمتع فيها.
جاء ذلك على وقع جلسة جمعت المالكي باثنين لم تكشف هويتهما ولكن اتضح من خلال المقطع المسرب أنهما قيادات في مليشيات ذات ارتباط إيراني وتحضيرات لحرب أهلية تبدأ من النجف حيث معقل الصدر.
فما بعد يتحرك أنصار الصدر نحو المنطقة الخضراء ويقتحمون حصونها الحكومية والمباني ذات الأهمية السياسية الكبيرة من بينها البرلمان العراقي والقصر الرئاسي.
لم يدم ذلك الاقتحام أكثر من ساعات، حتى بدأوا بالانسحاب ولكنهم عادوا بعد يومين بجمهور أكبر وأكثر تنظيماً ليعلنوا الاعتصام المفتوح داخل مبنى البرلمان بعد أن رفعوا مطالب بحل مجلس النواب والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة.
في الجانب الآخر، كان الإطار التنسيقي، يتحرك في الظل ويناور في العلن وهو يحشد أنصاره ويؤلب الرأي العام بذريعة الدفاع عن شرعية المؤسسات وحماية مباني الدولة الحساسة والدوائر الهامة من التجاوز والعبث.
تحرك الإطار بعد نحو 3 أسابيع على اعتصام الصدريين عن المنطقة الرئاسية، وبدأت مناطق العاصمة بغداد ومحافظات الوسط والجنوب يتقاسمها نفوذ كلا الجانبين للتظاهر والاحتجاج فيما تضطلع القوات الأمنية بمهام وضع الجدار العازل ما بين المعسكرين خشية التصادم ووقوع الاشتباك.
لم تنجح كل تلك المحاولات من منع تشابك الأسلحة ودخول التيار والإطار في المواجهة المباشرة، لتنتهي فيما بعد بابتعاد الصدر والتسليم للمعادل السياسي الجديد بعد أن تحالف أصدقاء الأمس مع خصوم الحاضر نحو تشكيل الحكومة الجديدة التي ولدت في أكتوبر/تشرين الأول 2022.
aXA6IDMuMTQ1LjM0LjUxIA== جزيرة ام اند امز