لا خلاف على حجم التحديات أمام رئيس الوزراء العراقي الجديد، ما يزيد الحاجة إلى خطط وإرادة فولاذية على طريق استعادة العراق عافيته ودوره في منطقة حساسة للعلاقات الإقليمية والدولية.
في الداخل العراقي، تبرز سلسلة تحديات أمام حكومة "السوداني"، في المقدمة منها إطلاق خطط لتحسين الخدمات ومكافحة البطالة، ولا يقل عن هذا المسعى القيام بإصلاحات للحد من نفوذ المليشيات الولائية، وضبط السلاح المنفلت، لصالح الدولة ومؤسساتها وتحقيق قيم المواطنة والوطنية.
وفي زحمة هذه الملفات تبرز قضيتان حيويتان كألغام كامنة في الحياة السياسية العراقية.
الأولى كيفية ترتيب العلاقة مع التيار الصدري عبر التوصل معه إلى تفاهمات بشأن الإصلاحات المنشودة في المرحلة المنظورة وإجراء انتخابات مبكرة، بعد انسحاب الصدريين من البرلمان، والثانية حل المشكلات الخلافية المزمنة بين بغداد وأربيل، وعلى رأسها المادة 140 بشأن المناطق المتنازع عليها، وإصدار قانون النفط والغاز، والاتفاق على آلية ثابتة لتسديد ميزانية إقليم كردستان، إذ دون تسوية هذه القضايا تبقى الخلافات بين الجانبين في إطار الأزمة المتجددة في أي وقت.
في الفضاء السياسي الخارجي، تبرز قضية انتهاج العراق سياسة المصالح السيادية بعيدا عن الخضوع للتجاذبات الإيرانية-الأمريكية، من أهم المؤشرات المستقبلية للسياسة العراقية في المرحلة المقبلة، وسيكون هذا مؤشرا أيضا إلى مدى أهلية العراق للعب دور إيجابي في المنطقة، فيما يعول كثيرون على "السوداني" لاستكمال هذا المسار لصالح استعادة العراق مكانته في ترسيخ معادلة الأمن والاستقرار على ضفتي الخليج.
حتى الآن أبدى "السوداني" الحزم في مقاربة الملفات الداخلية، منتهجا سياسة الوعود والتعهدات في معالجتها، لا سيما في قضية مكافحة الفساد، الذي نخر في بنية الدولة، وأصبح ظاهرة تقوم على تخادم المصالح بين القوى المسيطرة والمتحكمة، ولعل مشكلة "السوداني" هنا أن عملية بناء الدولة ستجعله في مرمى قوى كثيرة، ومن الضروري اتخاذ خطوات حاسمة تصب في صالح العراقيين أولا وأخيرا.
في الواقع، ثمة ظروف ومتغيرات وأوراق قد تكون في خدمة استراتيجية "السوداني" في معركة استعادة العراق عافيته ودوره، أولى هذه الأوراق وجود 85 مليار دولار احتياطي في خزائن البنك المركزي العراقي، إلى جانب 100 طن من الذهب الخالص، وهو ما يعني توفر قوة مالية كبيرة لإطلاق مشاريع خدمية وتنموية تحسن من الحياة المعيشية للعراقيين، والأهم وجود رأي عام عراقي قوي يطالب بمحاربة الفساد والتخلص من السلاح المنفلت والمليشيات، انتصارا للدولة كمؤسسة وقانون ومرجعية.
ولعل مثل هذه الوفرة المالية والرأي العام لم يتوفرا لأي حكومة عراقية سابقة.
بموازاة هذا التطور الداخلي ثمة متغيرات إقليمية ودولية يمكن لـ"السوداني" الاستفادة منها لصالح السياسة العراقية المستقبلية، فالولايات المتحدة باتت منشغلة بالأزمة الأوكرانية أكثر من أي شيء آخر، علاوة على انشغال إيران بأمور داخلية وخارجية، وهما مستجدان يوفران فرصة ذهبية لحكومة "السوداني" في إعادة التوازن لعلاقة العراق بكل من واشنطن وطهران، ورفد ذلك بمد جسور العلاقة مع المحيط العربي، لا سيما دول الخليج العربي التي أبدت رغبتها في ذلك، انطلاقا من أن استقرار العراق واستعادة عافيته يصبان في مصلحة المنطقة ككل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة