الشعراوي وفساد الإخوان.. نجل "إمام الدعاة": اتخذوا الدعوة مطية للحكم
يعد الشيخ الشعراوي، الذي جمع حوله قلوب المصريين والعرب، من أهم علماء الدين ومفسري القرآن الكريم في العصر الحديث
فكر متطرف مشبع بالعنف، اتخذ من الدين مطية للوصول للحكم، ومن الدماء نهجا أفرز تنظيما راديكاليا ينخر أمن الشعوب ويهدد اعتدالها.
خلاصة تختزل المسار الفكري المسموم لتنظيم الإخوان الإرهابي، وتفسر قرارات اتخذها دعاة حملتهم رغبة الاكتشاف إلى صفوفه قبل أن يغادروه على عجل، حين اكتشفوا التناقض بين الشعارات وواقع الحال، كان من بينهم الشيخ محمد متولي الشعراوي.
شهادة جديدة يرويها الدكتور أحمد نجل الشعراوي، في مقابلة مع "العين الإخبارية"، تكشف فصول العلاقة بين الشيخ الذي لقبه المصريون بـ"إمام الدعاة" والإخوان في ثلاثينيات القرن الماضي.
العلاقة التي لم تستمر لأكثر من أشهر، قبل أن ينتبه الشعراوي مبكرا، ببصيرته، لحقيقة التنظيم ما دفعه لتركه نهائيا، بعد أن تأكد أن الأمر "يحمل فسادا ومطية للوصول للحكم وليس إعلاء لكلمة الدين".
طالب السلطة لا يولى
نجل الشعراوي ألقى الضوء على جوانب من علاقة والده بالإخوان، قائلا إن حسن البنا مؤسس التنظيم التقى الشعراوي في ثلاثينيات القرن الماضي، وعرض عليه الانضمام لما قال إنها جماعة دعوية فقط، فاقتنع الشيخ في البداية، وكتب أول بيان لهم.
ويضيف: "لكن الشيخ الشعراوي لم يستمر سوى شهور قليلة في التنظيم، وقرر تركه نهائيا، بعد التحول الذي طرأ على الجماعة".
ولفت إلى أن الشيخ الشعراوي تعاطف في بداية الأمر مع الإخوان كجماعة دعوية فقط، لكن حينما سعت للتحول إلى حزب سياسي ابتعد عنها تماما، ووجه لهم جملته الشهيرة (طالب السلطة لا يولى، ومن ولي أعين، ومن سعى لها وكل إلى نفسه).
الفساد والحكم
نجل الشعراوي أكد أيضا أن البنا حين بدأ بالتفكير في تأسيس حزب سياسي، انتقل الأمر من جماعة دعوية إلى العمل الحزبي الساعي والراغب في السلطة، وهنا تأكد للشعراوى أن الموضوع ليس له علاقة بالدعوة إلى الله، وأن الدعوة أصبحت مطية للحكم.
نظرة الشعراوي لحقيقة الإخوان تأكدت أيضا – يستطرد - حين أسست الجماعة، في وقت لاحق، تنظيما سريا مسلحا بقيادة عبد الرحمن السندي، الذي استخدم العنف وسيلة لتحقيق أهداف التنظيم، وقال الشعراوي حينها: (رحم الله من زرع البذرة وغفر الله لمن استعجل الثمرة).
ونوه إلى أن إمام الدعاة تنبه مبكرا لمسألة توظيف الإخوان للدين لتحقيق أهداف سياسية، مردفا: "أن يقتنع شخص ما بمبدأ الدعوة ثم يعدل عنها، فهذا دليل وجود فساد فى القياس، وأن الأمر ليس إعلاء لكلمة الدين لكنها مطية سياسية".
وكان الشيخ الشعراوي قاطعا فى موقفه من الإخوان بعد أن رفض أيضا انضمام نجله سامي لهم، بل وحذره منهم.
ويروى أحمد الواقعة قائلا: طلب سامي، وهو أزهري، من الشيخ شعراوي النصيحة حول الانضمام للتنظيم، فرد عليه: "ابتعد وحجّم نفسك، لأن المسألة انتقلت إلى طلب سلطة وطموح فى الحكم، وليس دعوة"، وبالفعل ابتعد سامي عن التنظيم.
انقسام الإخوان
وضمن فصول علاقة الشعراوي بالإخوان، تحدث نجل "الشعراوي" عن انقسام التنظيم، مستدلا بما رواه الشعراوي أن عبد الرحمن السندي مسئول التنظيم السري في الجماعة، دفع حسن البنا في مقر الإخوان بالحلمية، وقال السندي له: (خليك أنت في الدين).
ويشهد تنظيم الإخوان في الوقت الحالي انشقاقات وانقسامات غير مسبوقة بين جيلي الوسط والشباب، يعتبر الأكبر في تاريخ التنظيم الإرهابي، بسبب تعيين إبراهيم منير بمنصب القائم بأعمال المرشد العام للإخوان، خلفا لمحمود عزت القائم بأعمال المرشد في مصر، بعد أن ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليه.
وقوبل اختيار التنظيم الذي دائما ما يهتم بالقيادات على حساب قواعده، بحالة كبيرة من السخط وسط تيار الشباب الرافض لأداء الحرس القديم سواء داخل مصر أو خارجها.
وفي 28 أغسطس /آب الماضي، أعلنت وزارة الداخلية المصرية توقيف "عزت"، شرقي القاهرة، بعد 7 سنوات من القبض على محمد بديع المرشد السابق للجماعة في أغسطس/آب 2013.
الشعراوي.. إمام الدعاة
يعد الشيخ الشعراوي، الذي جمع بأسلوبه حوله قلوب المصريين والعرب، من أهم علماء الدين ومفسري القرآن الكريم في العصر الحديث، وكان معروفا بطريقته المبسطة في الشرح، ما جعله من أكثر علماء الدين القادرين للوصول إلى شريحة كبيرة من المسلمين بالعالم باختلاف ثقافتهم.
حرص منذ صغره على التبحر في القرآن الكريم واستكمال دراسته رغم انتمائه لأسرة مصرية بسيطة، كما حرص على نقل خبرته العلمية إلى كتب ومؤلفات عديدة مثل "المنتخب في تفسير القرآن الكريم" و"نظرات في القرآن الكريم" و"على مائدة الفكر الإسلامي" و"الإسلام والفكر المعاصر" و"مئة سؤال وجواب في الفقه الإسلامي" و"الطريق إلى الله" و"الشورى والتشريع في الإسلام".
ونظرا لدوره في المجتمع المصري، حصل على عدة أوسمة وجوائز بداية من وسام الاستحقاق لتقاعده عام 1976، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر عام 1983، ووسام الجمهورية وجائزة الدولة التقديرية عام 1988.
وظلت إسهاماته في الدين وتفسير القرآن مستمرة حتى وفاته في 17 يونيو/حزيران 1998.