حلب و4 سنوات من الحرب.. جمال تحول إلى جحيم
4 أعوام من الحرب الضارية بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة في مدينة حلب الأثرية، غيرت ملامحها إلى الخراب بدلا من الجمال والحيوية.
غيرت المعارك التي تشهدها مدينة حلب في شمال سوريا منذ أكثر من 4 سنوات، معالم المدينة الأثرية القديمة المدرجة على لائحة التراث العالمي للإنسانية، والمعروفة بقلعتها التاريخية وبواباتها القديمة وأسواقها وخاناتها التي كانت وجهة رئيسية للسياح من كل أنحاء العالم.
وبعدما كانت المدينة الشاهدة على حقبات تاريخية عدة تضج بالحيوية وبروادها قبل اندلاع النزاع، لم يبق فيها اليوم إلا القطط المشردة والمتاريس الرملية والحافلات المحترقة وركام البنايات الشاهد على عنف المعارك.
في ساحة الحطب الواقعة في حي الجديدة الأثري الشهير، لم يصدق المحامي والباحث في تاريخ حلب، علاء السيد، ما يراه بعدما اختفت معالم الساحة والفنادق التراثية المحيطة بها.
ويقول السيد لوكالة فرانس برس بعد جولة في المدينة القديمة إثر سيطرة الجيش عليها في الأيام الأخيرة: "لم أتمكن من التعرف عليها لشدة الدمار اللاحق بها وقلت إنه لا يمكن أن تكون هذه ساحة الحطب"، فلم يبق من الساحة التي كانت مكاناً مزدحماً يعج بالحركة إلا أكوام من الحجارة والخردة تسلل العشب بينها.
ومنذ 2012، وقت انقسام المدينة بين أحياء غربية يسيطر عليها الجيش السوري وأحياء شرقية تحت سيطرة الفصائل المقاتلة، شكلت المدينة القديمة في حلب خط تماس بين الطرفين.
وطال الدمار مواقع تعود إلى 7 آلاف عام، بينها الجامع الأموي الذي تدمرت مئذنته العائدة إلى القرن الحادي عشر كما تضررت جدرانه وتجمع الركام في ساحته، كما لحقت أضرار كبيرة بقلعة حلب الصليبية التي استعادتها قوات النظام من المعارضة بعد قتال عنيف.
وانسحب مقاتلو المعارضة من المدينة القديمة في حلب في 7 ديسمبر/كانون الأول إثر تقدم سريع أحرزه الجيش السوري في إطار هجوم بدأه منتصف الشهر الماضي وتمكن خلاله من السيطرة على أكثر من 90% من مساحة الأحياء الشرقية.
تراث لا يعوض
ولم تسلم أسواق المدينة الأثرية التجارية التي تعود إلى نحو 4 آلاف عام وتضم أكثر من 4 آلاف محل و40 خانا من الضرر والاحتراق.
وفي 2013، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) الأسواق القديمة التي تعرضت للحرق والدمار على قائمة المواقع الأثرية العالمية المعرضة للخطر.
ويصف السيد ما لحق من دمار وخراب بالأسواق التي كانت تعد "قلب حلب الاقتصادي" بأنه "غير مبرر"، مضيفا أنه "تراث إنساني لا يعوض".
ويرى أن عملية الاقتحام التي نفذها مقاتلو المعارضة في 2012 "كانت ضربة قاصمة للاقتصاد في حلب لأن آلاف العائلات الحلبية، الثرية أو الفقيرة، كانت تعتمد على هذا السوق لتامين معيشتها".
وانسحبت الأضرار كذلك على المنطقة المحيطة بقلعة حلب الأثرية حيث مسحت "بالكامل" مواقع أثرية كجامع السلطانية والسراي الحكومي.
كما تهدم فندق الكارلتون الأثري بالكامل إثر تفجير الفصائل المعارضة في مايو/أيار 2014 نفقا أسفل الفندق الذي كان الجيش يتخذه مقرا.
مدينة أشباح
في حي أقيول المجاور، تمتد الأبنية المهدمة ذات الواجهات المتصدعة على طرفي الشارع الرئيسي الذي يصل ساحة الحي بساحة باب الحديد.
وشاهدت مراسلة فرانس برس أبنية من دون نوافذ، فيما حلت شوادر من القماش الأزرق الممزق مكان الأبواب. وتنتشر أكوام من حجارة الأبنية المهدمة على الأرصفة، إضافة إلى أثاث المنازل المبعثر والأدوات المنزلية والمكيفات والغسالات الصدئة.
وتبدو هذه الأحياء وكأنها مدينة أشباح خالية من الحركة باستثناء قطط نحيلة متسخة تجوب المكان بحثا عما تأكله. وتقترب إحداها من جثة شبه متحللة على رصيف أحد الشوارع في حي البياضة.
ولم تسلم مقبرة الحي الواقعة على تلة صغيرة من أعمال العنف؛ إذ تحطمت بعض الشواهد وسقط بعضها الآخر فيما يبس العشب المزروع بين المقابر.
وفي ساحة باب الحديد المطلة على الباب الأثري الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 1509، بحسب لوحة حجرية علقت عند مدخله، تم تكديس باصات محروقة ومثقوبة بفعل الرصاص فوق بعضها، ما يوحي بأنها استخدمت متاريس احتمى خلفها المقاتلون.
بالقرب من الساحة، لا تزال واجهات محال تجارية عدة مطلية بألوان العلم ذي النجوم الحمراء الثلاث الذي اعتمده معارضو الرئيس السوري بشار الأسد عند اندلاع النزاع.
وعلى الجدران، ترك المقاتلون شعاراتهم خلفهم. وورد في أحدها "من حوران (جنوب) إلى حلب، الثورة مستمرة".