عيد الفطر في الجزائر.. كل شيء طبيعي إلا الأسعار: نار
للسنة الثانية على التوالي، وجد الجزائريون ما يُنغص عليهم الفرحة بعيد الفطر نتيجة ارتفاع الأسعار بالأسواق.
وبعد أن حاصرتهم جائحة كورونا في 2020، جاء الدور هذه المرة على الأسعار الملتهبة التي "كبّلت" فرحة واستعدادات الجزائريين للاحتفال بعيد الفطر، بعد أن وجدوا أنفسهم تائهين بين مختلف المحال والأسواق في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، التي وجدوا فيها "نار الأسعار وهي تُلهب جيوبهم".
- مع قدوم رمضان.. هكذا استعدت الجزائر للسيطرة على أسعار السلع
- حضر الناس وغابت عمليات الشراء.. أجواء العيد لم تحرك "ركود" أسواق غزة
وبحسب الأصداء التي رصدتها "العين الإخبارية" من بعض المحال والأسواق الجزائرية، فقد كانت معظم ردود أفعالهم منتقدة لما اعتبروه "جشع التجار وعجز الدولة عن ضبط الأسعار والأسواق".
ورغم حالة الإحباط والاستياء من لهيب الأسعار وانفلات الأسواق، وجد جزائريون في بعض المناطق من البلاد من "يرحم وضعهم" بـ"أسعار مغرية" في متناولهم عبر بعض الصيغ، بينها "الالتزام بالأسعار الحقيقية" أو "البيع بالتقسيط".
لهيب مستمر
وبدأت "قصة" ارتفاع أسعار مختلف المواد الاستهلاكية في الجزائر مع دخول شهر رمضان، إذ وجد الجزائريون "أسعاراً صادمة" في مختلف الأسواق والمحلات، والتي يؤكد الخبراء الاقتصاديون بأنها ارتفعت بنسبة 100 % خلال رمضان.
ولم تسلم معظم المواد الاستهلاكية الأكثر رواجاً في رمضان من "أسعار مضاعفة"، خصوصاً الخضر والفواكه، وكذا مواد أخرى على غرار الزيت واللحوم، حتى إن رمضان الحالي صُنف "أغلى رمضان" في تاريخ الجزائريين.
ولأن "كل شيء يتغير في رمضان إلا الأسعار" كما يقول الجزائريون، فقد امتد لهيبها عشية عيد الفطر، ووجد الجزائريون أنفسهم في "ورطة" أمام سد حاجيات العيد من ملابس للأطفال وحلويات العيد.
وبينت أيام شهر رمضان، عجز السلطات الجزائرية عن بسط هيبتها على الأسواق، رغم حزمة الإجراءات التي أعلنت عنها للسيطرة على الأسعار، واصطدمت تطميناتها بواقع آخر زاد من أعباء القدرة الشرائية للجزائريين خلال الشهر الفضيل.
ويعزو الخبراء الاقتصاديون أسباب ذلك إلى المضاربة وجشع تجار الجملة والتجزئة، وعدم قدرة وزارة التجارة على وضع استراتيجية تحكم في أسواق الجملة والتجزئة.
أسعار صادمة
"العين الإخبارية" وعلى مدار أسبوع كامل، تجولت في بعض الأسواق بالجزائر العاصمة ومحافظة باتنة الواقعة شرقي البلاد.
أسواق ومحلات وشوارع مكتظة، الأمر ليس غريباً أو استثنائياً، فهي عادة الجزائريين في التحضير لعيد الفطر، في أجواء يفترض أن تكون بالفرح.
غير أن تلك الفرحة لم نجدها عند بعض الجزائريين، وكانت من بينهم السيدة كوثر من العاصمة، وهي أم لـ4 أولاد وتعمل عاملة نظافة بإحدى الشركات الخاصة.
كانت وحيدة بدون أبنائها، تتجول من محل إلى آخر للملابس، تبحث عما يُفرح أبنائها ويرضي ميزانيتها، كانت بوجه مغطى بالكمامة لا يظهر منه إلا ذلك الشحوب.
لم يكن وجهاً شاحباً بفعل الصيام، بل من صدمتها للأسعار المرتفعة التي وجدتها في المحلات، إذ كشفت لـ"العين الإخبارية" عن أنها أرملة وهي من تعيل أبنائها براتب لا يتعدى 25 ألف دينار (حوالي 187 دولار).
لم تكن تلك السيدة "كثيرة الشكوى" بل مقتنعة بوضعها، وهي تحدثنا عن أن كسوة 4 أبناء من خلال تلك الأسعار يتطلب راتباً لا يقل عن 40 ألف دينار (300 دولار)، ولم تجد حرجاً وهي تؤكد بأنها "اقترضت من أقربائها مالاً لكي تكسي أبنائها في العيد"، وقالت: "لا يمكنني أن أسمح بخروج أبنائي يوم العيد بدون لباس جديد أمام الناس، نعم، اقترضت مبلغاً من المال، المهم عندي أن يكون أبنائي مثل بقية الأطفال في هذا اليوم".
أما زكريا من ولاية باتنة فقد أشار في حديث لـ"العين الإخبارية" إلى أن "ما أنقذه من فخ الأسعار" هو أن له طفلان فقط، وكشف عن الموازنة التي خصصها لكسوتهما والتي قال إنها قاربت 15 ألف دينار (112 دولار)، معتبرا أن ذلك يبقى في متناوله.
وبين كل متجر أو سوق دخلتها "العين الإخبارية" إلا وتجد إجابة واحدة عن معظم التجار عن أسباب ارتفاع الأسعار، الكل يردد "لسنا المسؤولين"، ويحملون المسؤولية لوقف صادرات عدة مواد والتي يقولون إنها تسببت في ارتفاع الأسعار بالأسواق المحلية، وكذا لـ"تجار الجملة" كما هو الحال مع بائعي الخضر والفواكه والمواد الاستهلاكية الأخرى.
ويلتزم الجزائريون بعادات متوارثة لاستقبال عيد الفطر المبارك، إذ تشبه تحضيراتهم له الاستعدادات المقامة للحفلات والأعراس، وتتحول الشوارع والمحلات إلى ما يشبه خلايا النحل، خصوصاً في محلات الألبسة الخاصة بالأطفال والنساء، ومتاجر بيع مستلزمات الحلويات، وبيع الأواني المنزلية.
ويحرص الجزائريون على استقبال الفطر بأبهى حلة من خلال ملابس جديد لأبنائهم، وتحضير أعداد كبيرة من الحلويات وتزيين المنازل بالسجاد وغيرها، وهي العادات التي اصطدمت هذا العام بأسعار خيالية.
عروض مغرية
ووسط كل ذلك، تحدى بعض التجار نظرائهم في مختلف المحلات والأسواق بأسعار مغرية لزبائنهم في محاولة لضرب عصفورين بحجر واحد، وهما ضمان بيع أكبر قدر ممكن من السلع، وإعطاء الفرصة للجزائريين لإكمال فرحة عيدهم بأسعار يتنفسون بها الصعداء.
وكان من بين تلك المحلات التي صادفتها "العين الإخبارية" في محافظة باتنة المختصة في بيع مستلزمات الحلويات.
وجدنا صعوبة كبيرة في دخول المحل بالنظر إلى الاكتظاظ الكبير الذي كان بداخلهن معظمهم من النساء والفتيات، حيث كشف عبد الحق وهو صاحب المحل بأنه قرر تخفيض جميع الأسعار بنحو 40 %، مشيرا إلى أن ذلك ليس تخفيضاً بقدر ما هو هامش الربح الحقيقي الذي حدده بناء على أسعار الجملة.
ورفض عبد الحق أن يكون بذلك متحدياً بقية التجار، بل أشار إلى تنظيم السوق يبدأ من عند التاجر، وطالب وزارة التجارة بأن تحدد سقفاً للأسعار وتغريم المخالفين لذلك، معتبرا أن ذلك هو الحل الأمثل لخفض الأسعار.
وبقلب العاصمة الجزائرية، صنع محل محمد بمنطقة "ساحة الشهداء" الحدث بأسعار مغرية أيضا لملابس الأطفال، وسط إقبال كبير من قبل العائلات التي تمكنت من شراء ملابس العيد لأبنائها بأسعار معقولة، كما ذكرت السيدة سندس التي كانت ابنيها (عامين و8 أشهر).
وبمنطقة "قاريدي" في العاصمة، وضع محل آخر للألبسة لافتات إشهارية لـ"للبيع بالتقسيط"، وهو العرض الذي وجد من العائلات من يعتمد عليه.
الحكومة تراقب
من جهته قال كمال زريق، وزير التجارة الجزائري، إن هناك عروضا ترويجية وتخفيضات متاحة بدءا من شهر شعبان، حتى عيد الفطر، على مستوى المحلات والأسواق التجارية في كامل البلديات.
أضاف في تصريحات إعلامية أن هذه الإجراءات تهدف إلى الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن وتمكين التجار من تعويض بعض الخسائر التي تكبدوها بسبب الحجر الصحي.
وستخص عمليات البيع بالتخفيض كل المواد الاستهلاكية التي يرتفع عليها الطلب في رمضان وعلى رأسها المواد الغذائية والأواني والملابس والأحذية والأجهزة الكهربائية للمنازل والأثاث.
مراقبة الأسعار رقميا
بالتوازي مع عروض خفض الأسعار، أطلقت وزارة التجارة الجزائرية نظاما معلوماتيا لمتابعة إمدادات الأسواق بالسلع الاستهلاكية ومراقبة أسعارها في شهر رمضان.
وتقوم لجنة متابعة تموين الأسواق منذ بداية شهر رمضان باتخاذ إجراءات لضمان وفرة المنتجات واسعة الاستهلاك، مثل فتح أسواق جوارية وتنظيم معارض تجارية في عدد من الولايات، وإتاحة إمكانية البيع المباشر للمنتجات إلى المستهلكين.
وأعلن وزير التجارة أنه سيتم الاعتماد على النظام المعلوماتي الذي تم تطويره لمراقبة مؤشرات الأسعار على مستوى أسواق الجملة والتجزئة، ورصد أي اختلالات قد تطرأ على صعيد سلسلة التموين.
تحذيرات من الارتفاعات المفاجئة
على جانب آخر، حذر رئيس جمعية حماية المستهلك مصطفى زبدي، في تصريحات لوسائل إعلام محلية من حدوث زيادات في الأسعار لا تخضع لضوابط ومحددات واضحة، سواء فيما يتعلق بالمواد الغذائية، أو بالخضر والفواكه، واللحوم.
واستشهد زبدي بارتفاع أسعار الحليب المغلف والعجائن والمعلبات ومساحيق الغسيل بنسب تتراوح بين 20 إلى 30%، مع استغلال تجار الخضروات والفواكه تقلب الأحوال الجوية لرفع الأسعار مباشرة بنسب تصل أحيانا إلى 50%.
aXA6IDE4LjExOS4xMzcuMTc1IA== جزيرة ام اند امز